47

यूनुस फी बट्न हुत

يونس في بطن الحوت

शैलियों

1968

سيرة كلب يبحث عن إنسان1

سأحكي لكم حكاية إنسان نسجت حوله الخرافات والأساطير، لا تغتروا كثيرا بهذه الكلمة الأخيرة، فلم نعرف فيما وصلنا عنه من أخبار مضطربة أنه شبه بالآلهة أو أنصاف الآلهة أو الأبطال، لا، بل إن أغلب من تحدثوا عنه قد بخلوا عليه حتى بكلمة إنسان.

فلقد سماه أرسطو المشهور بالكلب، كما أطلق عليه كل من ذكره صفة الكلبي، ولم ينكر هو أيضا هذه الصفة على نفسه، وإن كان فيما يروى عنه قد قال: إنه كلب من نوع خاص لا يجرؤ أحد أن يصحبه معه إلى الصيد. وعندما مات، وكان هذا منذ أربعة وعشرين قرنا، كرمه سكان مدينته فأقاموا له تمثالا يطل على الخليج، وزادوا في تكريمه فوضعوا فوق التمثال كلبا من المرمر علامة على شخصيته أو على مدرسته! ولكن لماذا نقفز مرة واحدة إلى موته ولا نسير معه خطوة خطوة على طريق حياته المضحكة أو المبكية؟ لنبدأ إذن حكايته من أولها، ولنحاول أن نفحص الأخبار التي تؤكد أنه كان كلبا من الأخبار التي تجعل منه انسانا!

كان هذا الرجل - ولنتفق الآن مؤقتا على أنه كان رجلا مثل كل الرجال - يسمى «ديوجينيس»؛ كما كان أبوه يدعى «هيكزيوس»، ولقد ولد بالطبع كما يولد كل كائن حي، وكانت ولادته في مدينة صغيرة اسمها سينوب على البحر الأسود، لم يهتم أحد من الرواة أو المؤرخين بأن يذكر لنا شيئا عن طفولته، فالطفولة كانت في ذلك العهد القديم - أكثر مما هي اليوم - شيئا لا يلقى غير الإهمال والاضطهاد، ولكننا نسمع على كل حال أنه نفي مع أبيه عن تلك المدينة الصغيرة لسبب لا ندريه، لعله هو الاختلاس أو تزييف النقود كما يقال.

كما نسمع أنه - حين عاش بعد ذلك في أثينا وأصبح من فلاسفتها المشهورين - ظل ينظر إلى نفسه نظرة الغريب المنفي الذي لا وطن له، كما ظل الأثينيون المدهشون يعاملونه كذلك معاملة المنفيين! هل أذكر لكم أبيات الشعر التي قالها في هذا الشأن؟ ولكن لنؤخرها قليلا فقد تكون أليق بشيخوخته العاجزة منها بشبابه أو صباه.

قلت لكم: إن الناس ألفت أن تسميه الكلب، كما أن أرسطو العظيم قد ذكر أن ذلك كان اسم الشهرة الذي عرف به، ولا يجوز أن نشك في كلام المعلم الأول، إلى جانب أن هناك كثيرا من الأخبار التي تؤكد - كما قدمت - أنه كان حقا ينتمي إلى جنس الكلاب. صحيح أنه قيل عنه: إنه ذهب في شبابه إلى معبد دلفي المشهور ليتلقى الحكمة على كهنته، وصحيح أن الكلاب - كما هو معروف - لا تتردد على المعابد ولا يعنيها أن تكون حكيمة أو بلهاء، ولكن هذا أيضا لا يساعدنا على القول بأنه لم يكن كلبا، ولا يقدم لنا الدليل الثابت على أنه كان من بني الإنسان.

وحتى تلك الحكاية التي تروى عنه في شبابه، وما تزال تؤثر في القلوب إلى اليوم لا تستطيع أن تحل لنا المشكلة.

فيقال: إنه ذهب في صباه إلى أثينا لكي يتتلمذ على الفيلسوف أنتيستينيس مؤسس مدرسة الكلبيين، ويبدو أن الصبي لم يرق له فطرده - ربما لرثاثة هيئته أو ضعف بصره أو بشاعة وجهه أو شذوذ سلوكه، وألح الصبي على الأستاذ أن يقبله بين تلاميذه فسحب الفيلسوف العجوز عصاه ليضربه بها ويتخلص منه، ولكن الصبي مد له رأسه قائلا: اضرب؛ لأنك لن تجد عصا من الخشونة بحيث تبعدني عنك، ما دمت أومن بأن لديك ما تقوله لي. ولا ندري في الحقيقة ماذا قال له الفيلسوف العجوز، ولكن لا بد أنه فتح له باب مدرسته على مصراعيها وفتح له ذراعيه وقال لنفسه أو قال له: لم أر في حياتي كلبا أصيلا كهذا! ولازم التلميذ أستاذه حتى استطاع هو نفسه أن يصبح أستاذا.

ولكن هل منعته أستاذيته أن يظل كلبا؟ لنسمع أيضا هذه الحكاية التي تروى عنه بعد أن تعلم الحكمة، وراح بعد ذلك يعلمها.

अज्ञात पृष्ठ