سرك يا جمال الدين
فماذا نقول؟ أنقول إنه سر جمال الدين الذي رماه بالكفر فلاحقته تهمة الكفر في الحياة وبعد الموت، ولم يسلم منها في وطنه ولا في الشرق الذي استدرجه بسحره ولم يعرف لجمال الدين حرمته فيه؟!
لا نقول ذلك ولا يقوله جمال الدين، ولكننا نقول إن السحر أقوى من المسحورين، وإن هؤلاء المفتونين بالشرق لم يستغربوه إلا لأنهم هم أنفسهم غرباء مستغربون، وإنما يرى المرء نفسه فيما حوله كما قيل.
وقد أشرنا إلى لمحة من غرائب لامرتين الذي رشح نفسه لرئاسة الجمهورية وهو ملكي بالوراثة والفكرة والشعور، وأشرنا كذلك إلى لمحات من غرائب الأميرة الساحرة المسحورة، فإذا كانت غرائبها تلك بحاجة إلى المزيد، ففي وسعك أيها القارئ أن تزيد عليها غرائب أبيها الذي كان رساما وطباعا ومخترعا ونبيلا من الأسر البريطانية العتيقة، وجمهوريا يعلن مذهبه برئاسته لجماعة الثوريين طلاب الانقلاب في المعقل الملكي القديم!
وما كان أقوى السحر الشرقي في وجدان رينان!
وما كان أقواه في «عم» شرشل المغمور!
إنهم غرباء تسوقهم غرابتهم إلى استغراب الشرق واستغراب كل شيء ينظرون إليه في مرآة نفوسهم.
ولسنا نكره أن يوصف الشرق بالغرابة عنه هؤلاء الغرباء ...
ولكنه يستطيع أن يحتفظ بغرائبه دون أن يصبح فرجة من تهاويل الخيال، وأن يحبس في القفص من أجل ذاك.
وإلا فالمستشرق «المستغرب» هو الغريب.
अज्ञात पृष्ठ