142

بين التاريخ وشهادة العيان

ولم يشعر أحد بخيبة الأمل في هجوم اليابان على أمم الشرق كما شعرنا بها نحن الذين شهدنا نهضتها وحضرنا طلائعها وعرفناها معرفة العيان، قبل أن تصبح من معارف التاريخ.

كنا في نحو الخامسة عشرة يوم نشبت الحرب بين اليابان وروسيا، وكنا نتلقف الصحف لنقرأ فيها أخبار انتصارها في البر والبحر، وأخبار وقائعها الحاسمة حول المعاقل الكبرى في الشرق الأقصى.

ولا نذكر أن الشرق من أقصاه إلى أقصاه شملته هزة من الفرح كتلك الهزة التي شملته أثناء الحرب اليابانية الروسية؛ لأنه اعتبرها حربا شرقية غربية، وإن لم تكن روسيا مثلا صحيحا للغربيين أو للأوربيين.

مصطفى كامل يؤلف

لم يكن مصطفى كامل يؤلف الكتب لاشتغاله بالكتابة الصحفية والخطب الوطنية والسياحة في الغرب للحملة على الاحتلال البريطاني حيث استطاع، ولكنه بعد نشوب حرب اليابان ألف كتابه عن «الشمس المشرقة»، ويعني بها اليابان؛ لأنها تعرف باسم بلاد الشمس المشرقة أو الشمس الطالعة، وقال في مقدمته: «كان البعض منا معاشر الشرقيين يقول، ويلقن هذا القول للصغار والكبار، إننا أمم انقضى دورها ودالت الأيام على مدنيتها ومحا الزمان وجودها السياسي، وليس في وسعها التسلح بمدنية أوربا ومقارنتها بها، وإنه لا بد لها من الاستسلام للغرب وقبول حكمه وسلطانه بلا عمل للحاضر وبغير جهاد في سبيل المستقبل، فقامت أمة اليابان مكذبة لهذه الدعوى، منادية الشرقيين أجمعين بأن طريق الارتقاء ميسر لقصاده، وأن من جد وجد وكل من سار على الدرب وصل وتساءل الناس بدهشة وعجب: من هذا الشعب الذي خرج من القبور ليزعج الأحياء بأصوات مدافعه وقنابله، وحركات جنوده في البحر والبر، ومطالب ساسته وتغلبه على الدولة التي ظنت وظن العالم معها أنها لا تغلب، وفوزه هذا الفوز الذي حارت فيه العقول وكادت الدنيا ترتاب فيه؟! وكيف أدرك هذا الشأو في سنوات قلائل، وجارى الغرب في أمور وسبقه في أخرى؟!»

وهذا الكتاب قد صدر قبل خمسين سنة ، ولكنه أحد الكتب القلائل التي بقيت عندي ولم تذهب مع ما ذهب من كتبي المقتناه مرات بعد مرات.

وحافظ ينظم

ونظم حافظ إبراهيم أكثر من قصيدة في مفاخر اليابان، قال في إحداها على لسان فتاة يابانية:

إن قومي استعذبوا ورد الردى

अज्ञात पृष्ठ