والذي لا ينسى نسي!
أما اليوم الذي لا ينسى في تاريخ النهضة الشرقية، فقد نسي مع الأسف الشديد!
نسي حيث ينبغي أن يذكر، وحين ينبغي أن يذكر؛ لأنه في هذه السنة يوافق انقضاء خمسين سنة على وفاة الإمام الذي لم ينس إنهاض الشرق الإسلامي قط، فنهض لينساه!
إن هذا الموعد يتخذ في الشعوب الحية الذاكرة مناسبة لإحياء الذكريات والوفاء بالشكر لمن يستحقه من النوابغ والعظماء والمصلحين، وإن رجالا أصغر قدرا وأهون أثرا من محمد عبده تقام المحافل لذكراهم، ويدعى إليها القريب والبعيد للمساهمة في هذا الواجب الذي يشرف الأمم قبل أن يشرف عظماءها في القبور.
وإن هذه المحافل لتنفع الأحياء ولا نفع منها للأموات؛ لأنها تنويه بالأمم التي تخرج للعالم ذلك العظيم، وتنويه بالخلق ينبهها إلى الحفاوة بذكراه.
وما من أمة في الشرق الإسلامي إلا وهي على أهبة لتلبية الدعوة إلى ذكرى الرجل الذي يتردد اسمه من أقصى المغرب إلى تخوم الصين.
ونحن نسمع اليوم بالحزب الإسلامي في أندونيسية، ونعلم أنه أقوى أحزابها بالعدد والصوت المسموع، ولا يعلم الكثيرون منا أن قادته يعترفون بالتلمذة لمحمد عبده، ويطلبون إلى اليوم كتبه وآثاره من الديار المصرية.
ومنذ سنتين كنت في إحدى المكتبات، فأقبل ثلاثة من حجاج الصين يسألون عن تفسير «محمد عبده»، ويقول لهم صاحب المكتبة: إنكم تسألون عن تفسير المنار. فيتشاورون بينهم هنيهة ولا يشترون التفسير حتى يعلموا أنه مقتبس من دروس الأستاذ، وأن صاحب المنار تلميذ من تلاميذه الكبار.
ومن المغرب إلى نيجيريا إلى إفريقية الجنوبية إلى إفريقية الشرقية، لا تذكر النهضة الإسلامية إلا ذكروا معها اسم «محمد عبده» في مقدمة الأسماء.
ورجل مثل هذا تنقضي خمسون سنة على وفاته ولا يسمع هؤلاء الذاكرون لفضله أن فضل الرجل مذكور في بلده، وفي المعهد الذي نشأ فيه وتلقى الأذى كله في سبيل إصلاحه، ومات والعداوة تلاحقه من جراء هذا الإصلاح.
अज्ञात पृष्ठ