لقد أمضيت اليوم كله في العمل لتحسين المزرعة، وتعمدت أن أبتعد عنه على أمل أن يحس بالوحدة فيعود إلي، ولكنه لم يفعل!
وعند الظهر توقفت عن العمل، وأخذت ألهو بالعدو وراء النحل والفراشات والاستمتاع بالأزهار، هذه المخلوقات الجميلة التي تلتقط ابتسامة الله من السماء وتحتفظ بها! لقد كنت أقطفها وأجمعها في باقات وأكاليل وأغطي جسدي بها عندما كنت أتناول طعام الغداء، وهو التفاح طبعا! وبعد ذلك جلست في الظل وتمنيت وانتظرت، ولكنه لم يأت!
ولكن ليس هذا بالأمر المهم. لا فائدة من ذلك؛ لأنه لا يهتم بالأزهار، فهو يعتبرها من القمامة، كما أنه لا يستطيع أن يميز نوع كل منها عن الآخر، وهو يعتقد أن مكانته تعلو إذا فعل ذلك، وهو لا يهتم بالأزهار، ولا يهتم بلون السماء وقت الأصيل، وهل هناك شيء آخر يهتم به غير بناء ملجإ يقيه المطر النظيف، والتفتيش عن البطيخ والعنب، ومراقبة الفاكهة وهي لا تزال على الأشجار ومراعاتها في مراحل نموها؟!
لقد وضعت عصا جافة على الأرض، وحاولت أن أثقبها بعصا أخرى لكي أقوم بمشروع كنت فكرت فيه، ولكنني أصبت بهلع فظيع؛ إذ انطلق من هذا الثقب شريط شفاف رفيع يميل إلى الزرقة واندفع إلى أعلى، وفي الحال ألقيت بكل شيء وهربت.
لقد كنت أعتقد أنه «عفريت» وكنت في أشد الهلع! ولكني نظرت خلفي، فوجدت أنه لم يحاول أن يلحق بي؛ ولذلك استندت إلى صخرة لأستريح وأسترد أنفاسي، وكانت ساقاي ترتعشان، فبقيت بجانب الصخرة حتى هدأ روعي، ثم أخذت أزحف ببطء وحذر وأنا في غاية الانتباه واليقظة، وعلى استعداد للهرب إذا جد الجد. وعندما اقتربت أزحت أغصان إحدى شجيرات الورد واسترقت النظر.
وكنت أتمنى أن يكون الرجل قريبا من المكان، خصوصا أنني كنت أبدو جميلة جدا كثيرة الدهاء، ولكن العفريت كان قد اختفى قليلا، فاقتربت من المكان، وهناك وجدت قليلا من التراب الوردي الرقيق داخل الثقب، فوضعت إصبعي بداخله لكي أتحسسه، ولكنني قلت: «أوه!» وجذبت إصبعي بسرعة ... كان الألم حادا، حتى إنني وضعت إصبعي في فمي، ووقفت مرة على إحدى قدمي ومرة أخرى على قدمي الثانية، وأخذت أتأوه وفي الحال ضاع الألم ... وبعد ذلك اشتد اهتمامي، وبدأت أبحث في الأمر.
قد كنت في أشد الشغف لكي أعرف ماذا كان هذا التراب الوردي، وفجأة طرأ الاسم على ذهني، ولو أني لم أسمع به من قبل، إنه النار! لقد كنت متأكدة من أنه النار! فلم أكن أتردد في تسميته بهذا الاسم.
ها أنا ذا خلقت شيئا لم يكن موجودا من قبل، وأضفت شيئا جديدا إلى ما على الأرض من أشياء لا حصر لها ... وكنت فخورا بهذا العمل العظيم، وكنت على وشك أن أعدو لأبحث عنه، وأخبره معتقدة أن هذا الكشف سيرفع من قدري في نظره، ولكنني أمعنت الفكر في الأمر وفضلت ألا أفعل.
لا! إنه لن يهتم به، وسوف يتساءل: وما فائدة هذا الشيء؟! ولا علم لي بجواب هذا السؤال؛ لأن النار ليست بذات فائدة، ولكنها جميلة، جميلة فقط.
ولذلك تنهدت ولم أذهب؛ لأن النار لم تكن بذات فائدة، إنها لا تستطيع أن تبني كوخا، ولا تحسن زراعة البطيخ، ولا تسرع بإنضاج الفاكهة! إنها عديمة القيمة، تدل على غباء مكتشفها وغروره ... لا بد أنه سيحتقرني، وسيخاطبني بسخرية لو أخبرته عنها. أما بالنسبة إلي فلم تكن النار حقيرة، فقد قلت لها: «أيتها النار! إنني أحبك! فيالك من مخلوق وردي رقيق! إنك جميلة، وفي هذا الكفاية.»
अज्ञात पृष्ठ