وكارل ماركس يزعم أن هذا التعاون مستحيل؛ لأنه يؤمن بالضرورة المادية ولا يصدق أن أصحاب الأموال يتعقلون، أو ينزلون عن جزء من أرباحهم - ولو يسير - بغير الاضطرار والإكراه.
ولكن التجربة الإنجليزية والتجربة الأمريكية تدلان كلتاهما على إمكان التعاون بين الطبقات في ظرف من الظروف.
ونحن على أيقن اليقين أن الإنجليز والأمريكيين يقيمون إنصاف الطبقات اليوم على أساس أعدل وأبقى من الأساس الذي يقام عليه في بلاد الشيوعيين.
ولولا أن نبوءات الغيب مجازفة لا يضبطها الحساب في كل حين لقلنا: إن الروسيا ستكون بعد عشرين أو ثلاثين سنة أقل البلاد الاشتراكية في القارة الأوروبية؛ لأنها ستحتاج إلى خلق الطبقات التي أخذت منذ اليوم تتدرب على التعاون في الأقطار الأخرى، وستحتاج أن تتعلم من تلك الأقطار دروسا في الوعي الاجتماعي الجديد، بعد أن قصرته على طبقة واحدة تحارب كل من عداها.
والتجارب الإنجليزية والأمريكية - ومثلها تجارب الدانمارك والسكندناف - توفق بين طبائع الأفراد وطبائع الأمم ومبادئ الحرية العامة في نظام معقول ضحاياه أقل كثيرا من ضحايا الانقلاب الشيوعي حيث كان وكيفما كان.
لأن التنافس لازم لاستنهاض همم الأفراد إلى طلب الكمال، والتعاون لازم لتحقيق المصلحة العامة، ومبادئ الحرية هي الفارق بين الإنسان والحيوان الذي يقنع بالمعيشة المادية، كما يعيش القطعان في الحظيرة، أو على أحسن الأحوال كما يعيش المذنبون في السجون.
ونظام الديمقراطية كما يطبق الآن - وبعد الآن - في تلك البلاد الأوروبية يسمح للأفراد بالتنافس، ويعطي المجتمع حقوقه النافعة، ولا يجور على مبادئ الحرية العزيزة على بني الإنسان.
وفي وسعك أن تقرر - وأنت صادق كل الصدق - أن المرافق الكبرى في تلك البلاد ملك للأمة بأسرها، وأن الأفراد فيها أجراء لا يملكون شيئا منها؛ لأن صاحب المصنع الذي يعطي الأمة سبعين أو ثمانين - أو تسعين في المائة من أرباحه - لا يتقاضى أكثر من مدير موظف يستأجر لإدارة دفة المصنع على حساب الدولة، ولكنه في ظل النظام القائم يملك همة المنافسة، ونشاط الرغبة الفردية، ويشعر بالحرية ويعمل للجماعة وهو يحسب أنه يعمل لنفسه ويغار عليها.
أما المدير الذي يعمل كالموظف في غير ملكه، فلا يحقق حرية الفرد ولا مصلحة الأمة، ولا يلبث التنافس المعطل فيه وفي غيره أن يبدي عواقبه الوخيمة على مصالح المجتمع ومصالح الأفراد.
هذه الاشتراكية الديمقراطية نتمناها لمصر ولا نخاف عليها منها، ونعتقد أننا سائرون إليها بالقدوة الدولية، وإن لم نمر بأطوارها الصناعية كما مرت بها الأمم من قبلنا، ولكن القدوة الدولية لن تغنينا عن ولاية الأمر بأيدينا كما يوافق مصالحنا وآدابنا وتقاليدنا، ولن تعفينا من السبق الآن إلى لقاء الاشتراكية الديمقراطية، دون أن ننتظرها لنبتلى بتجاربها ونمتحن بمغامراتها.
अज्ञात पृष्ठ