الفصل السابع عشر: تبصر في نفسك
يا من نسي العهد القديم وخان، من الذي سواك في صورة الإنسان؟ من الذي غذاك في أعجب مكان؟ من الذي بقدرته استقام الجثمان؟ من الذي بحكمته أبصرت العينان؟ من الذي بصنعته سمعت الأذان؟ من الذي وهب العقل فاستبان للرشد وبان؟ من الذي بارزته بالخطايا وهو يستر العصيان؟ من الذي تركت شكره فلم يؤاخذ بالكفران؟ إلى كم تخالفني وما يصبر على الخلاف الأبوان، وتعاملني بالغدر الذي لا يرضاه الإخوان، وتنفق في خلافي ما عز عندك وهان، ولو علم الناس منك ما أعلم:
ما جالسوك في مكان، فارجع إلي في ذلك فأنا المعروف بالإحسان:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبدًا لأول منزل
يا مبارزًا بالقبيح مهد عذرك، يا مواصلًا نقض العهود جانب غدرك، يا مديمًا للتواني تدبر أمرك، يا مؤثرًا ما يفنى على ما يبقى خالفت خبرك، يا لاهيًا في أيام العوافي والله ما تترك، يا واقفًا مع الأماني ضيعت عمرك، يا فارحًا بقصره تذكر قبرك، يا حاملًا أثقال الذنوب هلا خففت ظهرك؟ سار الصالحون إلى ذكرنا وآثرت هجرك، وسمعت سيرهم وضيعت أجرك.
إن أردت صحبة المتقين فاشرح لليقين صدرك، وإن أحببت حلاوة العواقب فاستعمل صبرك، إن حلا شراب مناجانتا فبدد خمرك، إن طاب لك سماع ذكرنا فاكسر زمرك، اعتبر عن خل الثرى والكفان، وتفكر في البلا، وتذكر ذاك الرفاق فما بينك وبين هذا الآفات إلا أن تعاين الوفا وفات.
1 / 101