فإن الملك والدين توأمان. فالدين أس، والملك حارس، وما لا حارس له فضائع، وما لا أس له فمهدوم. والسلطان ظل الله تعالى في أرضه «1»، وخليفته على خلقه، وأمينه على رعاية حقه. به تتم السياسة، وعليه تستقيم الخاصة والعامة، وبهيبته ترتفع الحوادث والفتن، وبإيالته «2» تنحسم المخاوف والمحن. ولولاه لا نحل النظام، وتساوى الخاص والعام، وشمل الهرج والمرج، وعم الاضطراب والهيج، واشرأبت النفوس إلى ما في طبائعها «3» من التباغي والتنابز «4»، والتفاضل والتمايز «5»، حتى يشغلهم ذلك عما يصلحهم معاشا ومعادا، ويقيم أودهم يوما وغدا، وإلى هذا المعنى يلتفت قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ما يزع «6» السلطان، أكثر مما يزع القرآن»، إذ كان أكثر الناس [4 أ] يرون ظاهر السياسات فيردعهم خوف المعاقبة، وحذر «7» المؤاخذة عن تنكب الجدد «8»، والعدول عن السمت «9» والمقتصد. ومن لنا بمن يستقرى ء آي كتاب الله تعالى بفكره، ويتدبرها بعقله، ويجعل لنفسه منها زماما «10» يهديه إلى الأصلح، ويثنيه عن الأقبح، فيكون مؤدب نفسه ومقوم ذاته، ورائض أخلاقه وعاداته. ومعنى حديث عمر رضي الله عنه منتزع من قوله تعالى: لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون «1»، فموضوع السيف للعامة، ومجموع القرآن للخاصة، وإن كان الجميع في معانيه مشتركا، وبأوامره ونواهيه مرتبطا ومشتبكا، غير أن العامي يرى السيف فيرتدع، والخاصي يرى الحق فيتبع، وشتان ما بين مدبر ومسخر بغيره، ومؤدب ومهذب بنور ربه.
पृष्ठ 7