وعلم أن تقاعده عن إجابته سيورثه عند فراغه له داء عضالا، ويكسبه خطبا لا يطيق به استقلالا، فبادر إلى نيسابور مغتنما خلو خراسان عن حماتها، وطابقه أبو نصر بن محمود الحاجب على فعله ورأيه، فتظاهرا على الاستظهار بجمع المال، وإثبات أصناف الرجال. وحين سمع الأمير سبكتكين بخبرهما، بادرهما بالكتاب إلى سيف الدولة في الانحدار إلى نيسابور، وأمده بأخيه بغراجق والي هراة لنقض ما أمر «7» من أمرهما، وحصد ما نجم من شرهما. فسار إليهما ولم يرض بهما حتى انحط على أثرهما من بلخ كالشهاب في أثر العفاريت، فلم يرع أبا القاسم وابن محمود غير إطلال الجيوش عليهما. فارتحلا وامتطيا «1» مطايا الهرب، وسارا إلى أستوا متقيين حر القضب.
وركب الأميران أكتافهما «2» يشلانهما مثل النعم، حتى لفظتهما حدود خراسان إلى تخوم جرجان. وامتد الأمير سبكتكين إلى طوس فأناخ بها إلى أن تطاير خبر إقباله، فزاد في حفزهما «3» للانهزام، وإعجالهما دون المقام. وعطف إليه سيف الدولة وبغراجق [74 أ] بعد فراغهما من تفريغ خراسان عنهما، مجددين العهد به «4».
وقد كان فخر الدولة علي بن بويه قد تقرب إلى الأمير سبكتكين عند مقامه ببلخ على سبيل الملاطفة بجملة من المبار، ومال من العين واللجين «5» على سبيل النثار، اقتناصا لمحبته، واستخلاصا لرضاه وموافقته. فقابله الأمير سبكتكين بأضعافه من الألطاف، وزاده عليها ثلاثة من الفيلة الخفاف. وأرسل بها المعروف بعبد الله الكاتب أحد ثقاته، فنمي إلى فخر الدولة تجسسه «6» عليه عدد أجناده، وغوامض الطرق المفضية «7» إلى بلاده.
فكتب إلى الأمير سبكتكين يشير إلى أن «8» رسول المرء لسانه، وعنوان ضميره وترجمانه، وأن فلانا ورد فخالف باطن أفعاله ظاهر مقاله. وكان من بعض فصوله: «أنه لو أراد لعلم أن سرير الملك لم يستقر في سرة الأرض إلا بغلب غلب وأسود سود». فحز هذا الكلام في صدره، وخدش وجه الحال التي كان خطبها فخر الدولة إلى وده.
पृष्ठ 141