[41]
لذهنه، ومدفعة للتشاغل عن إكثاره، وإن لم يكن الإكثار عادة، ثم وضع موضعه في ابتداء كتاب أو جواب عند الحاجة فلا بأس. ولا يدعون الرجل منكم صنع الله، تعالى ذكره، له في أمره، وتأييده إياه بتوفيقه، إلى العجب المضر بدينه، وعقله وأدبه، فإنه إن ظن منكم ظان، أو قال قائل: إن ذلك الصنع لفضل حيلته، وأصالة رأيه، وحسن تدبيره، كان متعرضا لأن يكله الله إلى نفسه، فيصير منها إلى غير كاف ولا يقل أحد منكم إنه آدب وأعقل وأحمل لعبء التدبير والعمل من أخيه في صناعته، فإن أعقل الرجلين، عند ذوي الألباب، القائل: إن صاحبه أعقل منه، وأحمقهما الذي يرى إنه أعقل من صاحبه، لعجب هذا بنفسه، ونبذ ذاك العجب وراء ظهره، إذ كان الآفة العظمى من آفات عقله، ولكن قد يلزم الرجل أن يعرف فضل نعمة الله عليه من غير عجب برأيه، ولا تزكية لنفسه، ولا تكابر على أخيه وكفئه، ويشكر الله ويحمده بالتواضع لعظمته. وأنا أقول في آخر كتابي هذا ما سبق به المثل: من يلزم الصحة يلزمه العمل، وهو جوهر هذا الكتاب وغرة كلامه . بعد الذي فيه من ذكر الله عز وجل، فلذلك جعلته آخره، وختمته به.
تولانا الله وإياكم معشر الكتاب بما يتولى به من سبق علمه في سعادته وإرشاده، فإن ذلك إليه وبيده، والسلام عليكم ورحمة الله.
ولما قوى أمر بني العباس وظهر، قال مروان لعبد الحميد: إنا نجد في الكتب أن هذا الأمر زائل عنا لا محالة، وسيضطر إليك هؤلاء القوم، يعني ولد العباس، فصر إليهم، فإني أرجو أن تتمكن منهم فتنفعني في مخلفي. وفي كثير من أسبابي، فقال له: وكيف لي بأن يعلم الناس جميعا أن هذا من رأيك، وكلهم يقول: إني غدرت وصرت إلى عدوك، وأنشد:
أسر وفاء ثم أظهر غدرة ... فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره!
وأنشد أيضا:
पृष्ठ 71