[79]
الطائر، فأظهر إنكارا شديدا، وعزله.
وكان يتقلد للمنصور قضاء المدينة محمد بن عمران الطلحي، ويكتب له نمير الشيباني المديني، فلما قدم المنصور حاجا استعدى عليه الجمالون. فدعا محمد بن عمران بنمير كاتبه، وقال: اكتب إلى المنصور في الحضور معهم أو إنصافهم، فكتب ثم ختم الكتاب، وقال له: والله لا مضى به غيرك، فمضى به، ودفعه إلى الربيع، واعتذر إليه، فقال له: لا عليك، ودخل بالكتاب ثم خرج، فقال للناس: أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام، ويقول لكم: قد دعيت إلى مجلس الحكم، فلا أعلمن أحدا يقوم إذا خرجت ولا يكلمني. ثم خرج المنصور، والمسيب بين يديه، والربيع ونمير كاتب محمد بن عمران خلفه، وهو في مئزر ورداء، فلم يقم له أحد، فبدأ بالقبر، فسلم عليه، ثم قال للربيع: إني أخشى إن رآني ابن عمران أن يدخله قلبه هيبة، فيتحول عن مجلسه، وبالله لئن فعل، لا ولى لي ولاية أبدا. ثم صار إلى محمد ابن عمران، وكان متكئا، أطلق رداءه على عاتقه، ثم احتبى ودعا بالخصوم، ثم دعا بالجمالين، ثم دعا بأمير المؤمنين، فادعى القوم، وساء له، فقضى عليه لهم، وأمره بإنصافهم، وانصرف أبو جعفر. فأمر الربيع بإحضار محمد بن عمران، فلما دخل عليه، قال: جزاك الله عن دينك وعن بيتك وعن حسبك وعن خليفتك أحسن الجزاء! وأمر له بعشرة آلاف دينار.
ووقف أبو جعفر على كثرة القراطيس في خزائنه، فدعا بصالح، صاحب المصلى، فقال له: إني أمرت بإخراج حاصل القراطيس في خزائننا، فوجدته شيئا كثيرا جدا، فتول بيعه، وإن لم تعط بكل طومار إلا دانقا، فإن تحصيل ثمنه أصلح منه . قال صالح: وكان الطومار في ذلك الوقت بدرهم، فانصرفت من حضرته على هذا، فلما كان في الغد دعاني، فدخلت عليه: فقال لي: فكرت في كتبنا، وأنها قد جرت في القراطيس، وليس يؤمن حادث بمصر، فتنقطع القراطيس عنا بسببه، فنحتاج إلى أن نكتب فيما لم نعوده عمالنا، فدع القراطيس استظهارا على حالها.
पृष्ठ 147