وقعد المنصور يوما في الخضراء، فبينا هو مشرف على الصراة نظر إلى صياد قد ألقى شبكته، فأخرج سمكة عظيمة، فقال: المنصور لبعض مواليه: اخرج إلى المسيب، فأمره أن يوكل بالصياد من يدور معه، فإذا باع السمكة قبض على مشتريها، وصار به إلينا، ففعل المسيب ذلك. فلقي الصياد رجل نصراني، فابتاعها منه بثلاثين درهما، فلما دفع إليه الثمن وأخذ السمكة منه، قبض عليه العون، فأتى به المسيب، فأدخله إلى أبي جعفر، فقال له: من أنت؟ قال: رجل من أهل الذمة، قال: بكم ابتعت هذه السمكة؟ فقال: بثلاثين درهما، قال: وكم عيالك؟ قال: ليس لي عيال، فقال: فأنت بإذنك تشتري مثل هذه السمكة بثلاثين درهما! كم عندك من المال؟ قال: ما عندي شيء، قال: يا مسيب، خذه إليك، فإن أقر بجميع ما عنده، وإلا فمثل به، فأقر بعشرة آلاف درهم، فقال: كلا، إنها أكثر، فأقر بثلاثين ألف درهم، وأحل دمه إن وقف على أكثر منها، وقال له: من أين جمعت هذا المال؟ فقال: وأنا آمن يا أمير المؤمنين؟ فقال: أنت آمن على نفسك إن صدقت، قال: كنت جارا لأبي أيوب سليمان ابن أبي سليمان كاتبك، فولاني جهبذة بعض نواحي الأهواز، فأصبت هذا المال، فقال المنصور: الله أكبر! هذا مالنا اختنته، وأمر المسيب بحمل المال إلى بيت المال، وأطلق الرجل.
وكان أبو دلامة تأخر عن حضور باب أبي جعفر أياما، ثم حضر، فأمر بإلزامه القصر، وألا ييرح منه، ويصلى فيه الأولى والعصر معه في مسجده، ووكل به لذلك، فمر به أبو
पृष्ठ 115