अस्तित्ववाद: एक बहुत ही संक्षिप्त परिचय
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
هنا أيضا، ما يجعل البنيوي مضادا للمقاربة الوجودية لهذه الموضوعات هو الدور الموضوعي الحتمي الذي يخصص لهذه الهياكل الاجتماعية؛ أي الادعاء بأنها موضوعية وعلمية. يمثل هذا بداية ما يعرف ب «لامركزية الذات» التي ستصبح الموضوع الأبرز لفكر ما بعد البنيوية. لكن ما وضع هذا المنهج في تضاد مع الفينومينولوجيا الوجودية وكان سببا في كثير من الكتابات؛ هو «معاداته للفلسفة الإنسانية» بشكل صريح. حسبما خمن ميشيل فوكو في نهاية رائعته «البنيوية» ذائعة الصيت «نظام الأشياء»، فإن نجاح البنيوية في ستينيات القرن العشرين يوحي بأن حدثا معرفيا قد يقع في المستقبل القريب من شأنه أن يغير البناء الجوهري لما نسميه حاليا «المعرفة» بسرعة مباغتة تشبه سرعة التغيير الذي - حسبما يرى - أوجد وضعنا العصري المتمركز حول الإنسان والصانع للمعنى من الأساس. لو وقع حدث متطرف كهذا - حسب ظنه - «يستطيع المرء أن يراهن بالتأكيد بأن الإنسان سيمحى كما الوجه المرسوم على رمال شاطئ البحر»؛ لأن هذه الهياكل ليست أكثر من نتاج لوسيلة فردية مقارنة بصور أو أفكار أفلاطون العامة. بدلا من ذلك، فالأفراد هم حاملو هذه الهياكل مثلما هم حاملو القواعد النحوية للغة التي يتحدثونها، وليسوا مبتكريها. لقد اختزل الفرد المسئول الذي ركز عليه الوجودي إلى «عنصر نائب» في الهياكل الموضوعية التي يجهلها عادة.
يؤدي هذا بالطبع إلى مشكلة شائكة عن معنى الوسيلة والمسئولية في عالم بنيوي. كيف يمكن تحميل المرء مسئولية التكيف الاجتماعي ذاته الذي حول المرء إلى هذا النوع من الأشخاص؟ يلاحظ المرء هنا المشكلة المتكررة المتعلقة بالتوفيق بين الحرية الفردية والعلم الاجتماعي. بحسب ما تحتم العلل والقوانين العلمية، ما من مساحة للحرية بالمعنى الوجودي. لكن ادعى البنيويون أنهم يسيرون على طريق هذه المقاربة «العلمية» للظواهر الاجتماعية التي صيغت بناء على«منطق» اللغة نفسه، ما لم تكن جزءا منه.
لاحظنا كيف كان ميرلوبونتي يقوم بعملية التوفيق بين القيم الوجودية عن الحرية والمسئولية، وبين المناهج العلمية لعلم اللغة البنيوي، وربما بين العديد من التطبيقات البنيوية لهذا المنهج الذي يسميه الفرنسيون العلوم الإنسانية. أصر سارتر، في مقال «البحث عن منهج»، الذي كان بمنزلة مقدمة لكتابه «نقد المنطق الجدلي»، على أن مهمة الوجودية تتمثل في «استعادة الإنسان داخل الماركسية». ما كان يقصده هو الخلاص من «الاقتصاد» الماركسي (الجبرية الاقتصادية) الذي يتبناه مستغلو الحزب، لكن سيكون لنقده صلة وثيقة بماركسية ألتوسر البنيوية الأكثر تعقيدا وأتباعه الذين سيحظون بالشهرة في منتصف ستينيات القرن العشرين. في «نقد المنطق الجدلي» - كما ذكرنا للتو - يحتفظ سارتر بمساحة أنطولوجية للهيكل البنيوي والدراسات البنيوية في نطاق «الجامد العملي» والتفكير التحليلي الذي يدعمه. مرة أخرى، يمكن رصد «العلل البنيوية» لألتوسر في نطاق الجامد العملي، مثلما هو الأمر مع شجرة النسب لليفي شتراوس. هذا دور رئيسي لمفهوم الجامد العملي الذي يجري تجاهله غالبا. لكن كما قلنا سابقا، فباعتباره الجامد «العملي»، يحمي المفهوم حرية ومسئولية الفرد حتى في علاقتهما بأكثر الهياكل الاجتماعية موضوعية و«حتمية». على سبيل المثال: يثير سارتر مسألة كيف تعمل هياكل النسب هذه لليفي شتراوس في وقت يتراجع فيه عدد السكان بسبب حرب أو كارثة طبيعية. ما يشير إليه هو أنها لا تفعل ذلك، وأننا لا نخدم هذه الهياكل، بل هي التي تخدمنا. يحفظ تفسير ميرلوبونتي للهياكل البنيوية - باعتبارها «احتمالات» وليست «حتميات» - الحرية الوجودية أيضا. ومرة أخرى، يقول شعار الفلسفة الإنسانية : «تستطيع دائما أن تصنع شيئا مما وجدت نفسك عليه .»
اتسمت الحركة التي عرفت بعد ذلك ب «ما بعد البنيوية» في الفلسفة أو «ما بعد الحداثة» في الأدب والفن والمعمار بما يسميه جان فرانسوا ليوتار (الذي في نظره تتداخل هذه التصنيفات) «انشطار المعنى». فمثلما يطلق الانشطار النووي (أو الانقسام أو الانفلاق) قدرا هائلا من الطاقة، فإن انقسام الوحدات المعيارية للجنس الأدبي والقصصي، للنوع والأسلوب، للعلاقة الطبيعية والنظام الهرمي، وفوق كل شيء، للمادة والذات، أنتج تعدديات وتناثرات. بالمثل، فإن التضادات الثنائية البنيوية التي كشفت «منطق» العلاقات الاجتماعية والثقافية انقسمت بسبب ما بعد البنيويين من أمثال فوكو إلى تعددية عقلانيات. وعلى الرغم من عودة كيركجارد ونيتشه إلى مركزهما السابق باعتبارهما مفكرين مناهضين للحداثة بسبب مفاهيمهما المتعددة عن الحقيقة وتأكيد كل منهما على حدة على قوة الإرادة وإرادة القوة، ينظر إلى الوجودية السارترية على أنها حداثية بشكل لا يمكن الفكاك منه بسبب اعتمادها الظاهري على «الكوجيتو» الديكارتي كنقطة بداية للتفكير الفلسفي. يمكن اعتبار فوكو ممثلا لحركة ما بعد البنيوية عندما يعلق قائلا بأسلوب شديد الرفض: ««نقد المنطق الجدلي» هو محاولة مهيبة ومحزنة لرجل ينتمي إلى القرن التاسع عشر أن يفكر بأسلوب القرن العشرين. بهذا المعنى، فسارتر هو آخر هيجلي، بل يمكن أن أقول آخر ماركسي.» وبعبارة أخرى: حسب رأي فوكو، لا تملك الوجودية السارترية شيئا تقوله للعقل المعاصر.
على الرغم من الاحتداد الطائش الذي اتسم به نقد فوكو، فمن المستحيل حصر سارتر حتى في القرن الذي يرمز إليه بلا شك، وذلك لسببين على الأقل؛ فالذات السارترية - كما أشرت - ليست ذاتا بل وجودا للذات. لقد رأينا أنها بالتحديد «غير» متطابقة مع الذات؛ وهو ما يستدعي حوارا مثمرا مع مؤلفي ما بعد الحداثة و/أو ما بعد البنيوية من أمثال بارت وفوكو الذين يتحدثون عن «موت» المؤلف و«خسوف» الذات. مع أن هناك ازدواجية أساسية تتخلل فكر سارتر، فإنها ليست الازدواجية المرفوضة عموما للعقل والجسد، للتفكير والمواد الممتدة وفقا لديكارت، لكنها ازدواجية التلقائية والجمود؛ هي ازدواجية وظيفية وليست جوهرية تتوافق مع فكر ما بعد البنيوية .
ثانيا: على الرغم من أن سارتر لا يؤيد تعددية العقلانيات، فقد ميز بوضوح بين اثنتين منها في «نقد المنطق الجدلي»، وهما المنطق الجدلي والتحليلي. الأول ديناميكي وتاريخي، والثاني ليس أيا منهما. يطرح هذا احتمالية وجود أنواع أخرى من التفكير إلى جانب هذين النوعين. علاوة على هذا، فقد ربط بين كليهما بطبقة سياسية واجتماعية، هما البروليتارية والبرجوازية على التوالي، في ميل منه نحو الوحدة الفوكولية (والنيتشية) للمعرفة والقوة؛ هذه فرضية تنتمي لما بعد الحداثة. في واقع الأمر، لا يعكس ادعاء سارتر بأن «كل المعرفة ملتزمة» مفهومه عن الاختيار الموجه للحياة فقط، لكنه يطرح أيضا مسألة القوة-المعرفة من منظور نيتشي إلى حد ما من قبل أن يجعل فوكو هذه العلاقة مميزة مرة أخرى. ولو كان سارتر يشكك في اللاوعي الفرويدي لخطره على الحرية الفردية، فإنه ينتقد بالتساوي الرؤية المنظورية المثيرة للشك وتعددية العقلانيات التي يرى أنها تحبط التغيير الاجتماعي الجذري؛ وبالتالي تميل إلى إبقاء الوضع الاقتصادي الاجتماعي على ما هو عليه. كان هذا بالفعل نقده لمقاربة صديقه السابق ريموند آرون للفهم التاريخي في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين.
عندما يضيف المرء وجود دي بوفوار المستمر - والمثير للجدل أحيانا - في الحركة النسائية الحالية، فسيخلص إلى أنها هي وسارتر - دون كونهما منتميين إلى ما بعد الحداثة «قبل ظهورها» - يستطيعان الانضمام إلى الوجوديين الأولين - كيركجارد ونيتشه - في تعزيز هذا الجانب من الحوار الفلسفي في القرن الحادي والعشرين. (3) علم التأويل (الهيرمينوطيقا)
كانت أيضا الأهمية المتزايدة للهيرمينوطيقا الفلسفية في القرن العشرين قوة دافعة حملت الفكر الوجودي إلى القرن الحادي والعشرين. فباعتبارها أسلوبا لتفسير نص ما - في البداية كان نصا مقدسا، ثم بعد ذلك أصبح قانونيا، وأخيرا أي نص أدبي أو فني - لعبت الهيرمينوطيقا دورا مهما في الفكر الأوروبي. وبتوسع فكرة «النص» لتشمل تجسد أي فعل متعمد بداية من إنشاء مؤسسة إلى لكمات وهجمات ملاكم، توسع نطاق التفسير الهيرمينوطيقي بناء عليها. مع فيلهيلم ديلثي (1833-1911) وماكس ويبر (1864-1920)، أصبح استخدام «الفهم » منهجا مميزا للعلوم الإنسانية، خصوصا التاريخ وعلم الاجتماع الإنساني مقارنة بالعلوم الطبيعية. أما على يد هايدجر، وبصفة خاصة تلميذه هانز جورج جادامر (1900-2002)، فقد أصبح «الفهم» والتأويل أسلوبنا المميز للوجود في العالم.
مثل الفينومينولوجيا، تعتبر الهيرمينوطيقا بصفة أساسية منهجا وليست نظرية أنطولوجية أو ميتافيزيقية؛ فهي تفترض أن كل المعرفة سياقية (أو «موضعية»، حسبما يصفها سارتر) وأن العارف يواجه المشكلة «بتحيز» أو بفهم مسبق للموضوع محل المناقشة. هذه مشكلة قديمة قدم الجدل السفسطائي القائل إن التعلم مستحيل؛ لأنك إما تعرفه بالفعل وبالتالي لا يمكنك أن تتعلمه، أو أنه غريب عنك حتى إنك لن تعرفه لو صادفته. تصر الهيرمينوطيقا على أن التعلم ممكن بالفعل؛ لأننا نعلم ولا نعلم في نفس الوقت ما نتعلمه. تكمن المشكلة في شرح السياق الذي يثبت صحة هذا الادعاء المتناقض. يسمى هذا عادة ب «الدائرة الهيرمينوطيقية». ويعرف جادامر - أشهر ممارس للهيرمينوطيقا في عصرنا - المصطلح بأنه «[ترك] ما هو غريب من حيث الكلمة المكتوبة، أو ما هو غريب بفعل البحث الثقافي أو التاريخي يتحدث مجددا». بعبارة أخرى: هو منهج لفهم معنى نص غير مألوف، سواء كانت غرابته تاريخية؛ مثل النقوش القديمة، أو كان مجرد غريب علينا؛ مثل حديث شخص من ثقافة مختلفة أو حتى من مهنة مختلفة أو تخصص أكاديمي مختلف. وقد دخل إلى الفلسفة الحديثة على يد فريدريك شلايرماخر (1768-1834) وامتد إلى العلوم الإنسانية على يد ديلثي وويبر. بالنظر إليه في إطار المعنى الواسع «لاستيعاب» تصرف شخص آخر مقارنة ب «تفسيره» بأسلوب تعليلي (الأمر الذي قد يهدد حرية المرء)، فقد وظفه الوجوديون على نحو مكثف، كل بطريقته الخاصة. وسيكشف عرض مختصر لآراء خمسة من فلاسفتنا كيفية استخدامهم له بالإضافة إلى كيف تحمل الهيرمينوطيقا «الوجودية» صلة مستمرة بالمناقشات الحالية للموضوع.
الفيلسوف الأول هو نيتشه، الذي لم يحب شلايرماخر، والذي أصر على أن جميع المعارف قابلة للتأويل، وأنكر وجود أي «نص» أساسي لا يستطيع المرء تجاوزه في محاولة لاستيعابه نهائيا. لا يمكن أن تكون المعرفة مطلقة أو يقينية أبدا؛ فهي تأويل التأويل إلى ما لا نهاية. ويبدو أن هذا يؤدي إلى نوع من المقاربة البراجماتية للحقيقة والمعرفة التي يفضلها كل من نيتشه وما بعد الحداثيين. في هذا الشأن، تشبه المعرفة المشي فوق الماء، والحقيقة هي وسيلتنا لعمل ذلك. هذا بعيد عن فينومينولوجيا هوسرل التي كانت تهدف إلى مقاومة هذه «النسبية» إلى جانب «النزعة الاختيارية» (التركيز على الإرادة أكثر من الذكاء عند الاحتكاك بالعالم) التي آمن أنها تدعمها.
अज्ञात पृष्ठ