144

وسكت كسرى مفكرا، ثم التفت إلى وهرز فحادثه حينا قصيرا، ثم التفت وهرز إلى سيف قائلا: سينظر الملك في الأمر أيها الشاب فالزم بابه.

فقال سيف: ألم يفرغ الملك من النظر في الأمر منذ وعد أبي؟ لست أطلب نصره مبتدئا، بل أستنجز وعده، اليوم قبل الغد، فإن الحبشة تمهد هناك لقيصر. هناك مضيق البحرين الذي يفضي بالسفن إلى الهند وسواحل فارس، وهناك الأودية التي قد تمد جنود الروم بما تشاء من الخيرات. وهناك فرسان العرب الذين يكونون عليك إن لم يكونوا معك .

وكان الملك ينصت إلى سيف في دهشة وقال له: كم سنك يا سيف؟

فقال: سنوات طويلة من الفكر والهم والحزن والحنق، سنوات طويلة من المصادمة والمقاتلة والتشريد. عرفت الناس وما فيهم من ضعف وقوة، وعرفت بعض نفسي أيها الملك، وبعض ما أضمر من خير ومن شر. سنوات طويلة، وإن شئت فقل سنوات عريضة، تكشفت لي الحياة خلالها عن أصدق ما فيها، وأجمل ما فيها، وأبشع ما فيها. هذه هي سني أيها الملك الحكيم، زادك الله حكمة.

فتبسم كسرى بغير تحفظ، والتفت إلى وهرز فحادثه حديثا آخر أطول من حديثه الأول، وكان في نبرات صوته حرارة.

وقال الشيخ: يقول لك الملك لا تبرح بابي حتى يتخذ في أمرك عزما، لا تغب عن الباب غدا وبعد غد، وما يلي ذلك حتى يوفي لك دين أبيك.

وحيا سيف تحية شكر صادقة وخرج من الإيوان كأنه يسبح في الهواء، وأسرع إلى داره الصغير في أرباض المدائن بجوار بيت الشيخ أبي عدي.

الفصل التاسع عشر

قال الراوي:

كان القمر يضيء الليلة التي تسبق المعركة بعد أن مضت أيام الهدنة العشر، التي جاد بها مسروق على الكتيبة الضئيلة التي جاءت من فارس تغرر بنفسها إلى شاطئ اليمن وتتحدى جيشه العظيم.

अज्ञात पृष्ठ