111

وضحك ساخرا ضحكة طويلة، وكان سيف يستمع وهو بين اللهفة والحنق، وتمنى لو استطاع أن يقذف بحربة إلى صدر ذلك الضبع الذي أمامه.

ومضى يكسوم قائلا: كنت في شغل عن قومك ومؤامراتهم ومتاعبهم. وما لك أنت وهذا العناء؟

وأحس سيف لذعة السخرية التي لاحت على وجوه الجمع الذي حول يكسوم. ومضى يكسوم قائلا: فلما وجدتك لاهيا في أحاديثك الناعمة بعثت آخر بدلا منك ليأتي إلي بأصحابك.

فقال سيف في دفعة: أبعثت إلي لتسمع هؤلاء كيف تذلني؟

فقال يكسوم في هدوء منذر: من هؤلاء الذين تشير إليهم بقولك؟ دع هؤلاء فإنني أنا أخاطبك وأصبر على حماقتك. دع هؤلاء فهم أعواني وأصحابي، هؤلاء هم الذين لا يداخلهم شك في ولائي ولا يداخلني شك في ولائهم. انظر إلى نفسك أنت واستمع إلى ما أنذرك به.

فقال سيف وهو يرتجف غضبا: بل استمع أنت، ولا تدخل في الحديث غيري. سأهب لك جوابي مثل ما وهب لك الشيخ الطيب. سأهب لك عذرا تتخذه تكأة للتنكيل الذي تهفو إليه نفسك. أقول لك: إنني ابن ذي يزن، سيد حمير، وإن لي قوما لا أبرأ منهم إلا أن يكون فيهم زنيم مثل حناطة هذا، يستعبد نفسه لك ويلعق قدميك لقاء فضلة من سلطانك، فيستعبد لك الأحرار ويغنم لك النساء ولا يرحم طفولة ولا شيخوخة ...

فقاطعه حناطة في غضب: جرأة خائن. وما سمعت بمثلها جرأة في حضرة ملك.

وكان يكسوم يتقد غيظا، ولكنه قال ضاحكا في غل: امض في قولك فأنت لم تتمه.

فقال سيف ضاحكا: هذا أجدر بالضحك يا يكسوم. دع ذكر الخيانة يا حناطة فما أنت إلا عبد أخذت ثمنك طعاما ونساء بعد أن لم تكن شيئا.

وهب حناطة غاضبا، وهب الأحباش يحيطون بسيف، وهو واضع يده على مقبض سيفه وفي عينيه لمعة من العزم على أن يجعلها موقعة حاسمة.

अज्ञात पृष्ठ