ولقي جيوبرتي تعضيدا من الحكومة الإفرنسية في مقاومة الفكرة النمسوية الإسبانية، ولم يكن في مقدور رجال الدولة الإفرنسية الثورية إلا أن يشجعوا أحرار روما، وحينما أراد البابا أن يفصل عن الأحرار طلب إلى «كفياك» وزير الخارجية الإفرنسية أن يحميه ضد النمسويين في الخارج وضد الدموقراطية في الداخل ورفضت الحكومة الإفرنسية أن تتدخل بينه وبين شعبه، وأخيرا لما تخلى البابا عن الأحرار وأخذ يتملق للدول الرجعية لم يسع فرنسة أن تستمر على جعل نفسها حامية له ومدافعة عنه ضد النمسة.
وقد رفض «كفيناك» ولويس نابليون التدخل ما دام شخص البابا في أمان، وكانت مهمتهما لدى بيوس بدون نتيجة، ولا سيما لأن سياسته كانت تميل إلى قبول حماية النمسة وإسبانيا والتخلص من قيود الحكم الدستوري، وفي شهر كانون الأول كتب إلى «ابنه الأعز» أي إلى إمبراطور النمسة طالبا منه المساعدة.
وقد زادت قضية البابا في الطين بلة وأظهرت تفاهة قيمة ضم الدول بعضها إلى البعض الآخر، وظلت القضية في نظر المعتدلين والدموقراطيين عبارة عن العمل لجمع القوى القومية لأجل تجديد الكفاح في سبيل الاستقلال.
ولما كان باريتو في الحكم كان همه أن يجعل بيمونته غير مقيدة بأي تعهد تجاه الدول الأخرى؛ ولذلك فإنه رفض كل محاولة في هذا الشأن، ولما تولى كسالتي الحكم كان قد أرسل روسميني بتأثير من جيوبرتي لفتح باب المفاوضة مع روما من جديد، وعهد إليه أن يعرض على البابا امتيازات واسعة لم تعهدها الكنيسة في بيمونته مقابل انضمامه إلى الحلف.
وكان البابا قد مضى فوعد جيوبرتي أن يتولى شارل ألبرت على إيطالية الشمالية إذا انتصر وكان لا يزال حينذاك إيطاليا مخلصا يرغب في أن تطرد النمسة شريطة أن لا يتهم هو بإعلان الحرب على دولة كاثوليكية، وكانت روما وفلورنسة مستعدتين للتوقيع على مشروع لا يتضمن إعداد جيش اتحادي فحسب بل اتفاقا جمركيا وتشريعا مشتركا أيضا.
ولكن حينما تولى بنيلي الحكم عادت بيمونته إلى عزلتها السابقة، ولو انعقد الحلف لأدت الحرب القومية التي نشبت في الربيع الذي أعقبها إلى نتيجة أخرى، ولما كانت جمهورية في روما ولا كان ارتجاع في فلورنسة حتى، ولا احتلت روما من قبل الإفرنسيين، ولكان الحكم الدستوري قد استقر في طوسكانه ودويلات الكنيسة، وربما في نابولي أيضا، ولكان لقاء ذلك مجلس الاتحاد ساحة تنافس على الأرجحية بين نابولي وبيمونته وللجأ كل منهما في سبيل ذلك إلى مظاهرة الاتحاديين، ولأصبح الكفاح في سبيل جعل السلطة الزمنية رمزا.
ولما أدرك بعض الدموقراطيين - وعلى رأسهم مميانتي وجيوبرتي - عاقبة تشتت القوى؛ أخذوا يسعون إلى اتفاق يجمع القوى للحرب، وكان المؤتمر الاتحادي الذي توفقوا لعقده في تورينو في 10 تشرين الأول محروما من الصبغة الجريئة لجمع الراديكاليين أو لتنشيط سير الحكومات.
أما الدموقراطيون الطوسكانيون الذين كانوا في الحكم حينئذ فقد رجعوا إلى مشروع مونتانلي القائم بقيام مجلس تأسيسي إيطالي ينعقد في روما وينتخب أعضاؤه بالاقتراع العام، وتكون مهمته الوحيدة الاستعداد للحرب في سبيل طرد النمسويين حتى إذا ما تم ذلك يكون إلى البت في مستقبل البلاد السياسي، وتختار الأمة الملكية أو الجمهورية والوحدة أو الاتحاد.
وقد نسي مونتانلي أن الدموقراطيين كانوا حينئذ ضعفاء جدا وفاقدي التنظيم، حتى إنهم لا يستطيعون أن يملوا إرادتهم على الحكومات ما عدا طوسكانه وروما، فضلا عن أن الدموقراطية في بيمونته لم تكن تهتم بالوحدة كثيرا، ويظهر أن مونتانلي كان يميل إلى قيام حكومة اتحادية قوية تمنح كل دولة في الاتحاد حكما ذاتيا بأوسع حدوده، ومع ذلك فلم يكن ما يحول دون أن يكون المجلس جمهوريا أو قائلا بالوحدة، مما حدا بفرديناند وشارل ألبرت إلى الاعتقاد بأن الموافقة على الاقتراح المذكور معناه انهيار عرشهما.
ولما بدأ مونتانلي في مذكراته للعمل المشترك أخذت صعوبات الاقتراح تظهر بجلاء، وكان جائزا أن يتفاوض مع «جرازي» لاجتذاب بيمونته ونابولي إلى المشروع وإغرائهما بتقسيم دويلات الكنيسة إلى ثلاثة أقسام، بيد أن بيمونته رفضت الموافقة على أي تنظيم خارجي أو داخلي يقيد حرية عملها في موضوع الملكية في شمال إيطالية.
अज्ञात पृष्ठ