بيد أن الملك شارل فليكس من جهة، وحزب الأحرار في ألكسندرية من جهة أخرى؛ لم يميلا إلى أي تفاهم، وكان من أمر ذلك أن اجتاز النمسويون نهر تسينا، وتقدمت قوات الدستور نحو توفاره، ولم يخطر ببال هذه القوات أن القطعات الموالية للملك ستنضم إلى صفوف النمسويين لمقاتلتها، وهكذا تغلب الجيش النمسوي بالاشتراك مع قوات بيمونته الموالية على قوات الدستور بالقرب من نوفاره، ثم احتل النمسويون ألكسندرية وجنوة، وبهذا فشلت الثورة في الجنوب وفي الشمال.
وإذا كان النفور من آل بوريون ملوك نابولي، والاستياء من الظلم والفاقة من أسباب الثورة والعوامل الدافعة إليها في الجنوب؛ فإن نشوبها في الشمال يرجع إلى نزوع الأحرار لضم لمبارديه إلى بيمونته والقضاء على الحكم النمسوي، وترجع أسباب فشل الثورة في الجنوب إلى خيانة الملك والوصي وعزم الحلف الأوروبي على قمع كل حركة تقوم ضد الحكم المطلق، غير أن رؤساء الثورة أنفسهم لم يكونوا ذوي تجارب كافية.
ومع أن الكاربوناريين كانوا مخلصين في عملهم إلا أنهم سلموا القيادة إلى رجال لم يكونوا مؤمنين بنجاح الحركة، وقد سيطروا على الحكومة لما شكوا في إخلاصها، وكانت الحزازات الشخصية تعمل عملها بينهم في الخفاء، ونخص بالذكر تلك الخصومة الشديدة بين ببه وكرسكوسا، وذلك الاختلاف بين جمعية الكاربوناري وحزب مورات، وإذا دلت الظواهر على أنهم يعملون لهدف واحد فإن الوقائع أظهرت أنهم يتحركون مختلفين.
أما في الشمال فالأسرة المالكة التي يجب أن ترأس الحركة وهي أسرة قومية لم تكن قوية الإيمان بالفكرة، ومع أن الأمير شارل ألبرت كان يعتنق فكرة الوحدة إلا أنه كان فاقد الحماسة، مترددا بين الإخلاص للأسرة المالكة وبين العمل المجرد للفكرة، وكان الأشراف الحديثو النشأة يهدفون إلى تأسيس مجلس الأعيان، كما أن أشراف لمبارديه كانوا يطمحون إلى أن ينالوا بواسطة بيمونته الامتيازات القديمة التي رفضت النمسة أن تمنحها إياهم.
وأما الجيش الذي علمته حروب نابليون أن يتخذ نفسه حكما في سياسة الأمة فإنه لم يكن ليعير أي اهتمام بالشعب، وأما رؤساء الثورة في الشمال فمع أنهم يؤمنون بالوحدة إلا أنهم كانوا رجال قول لا رجال عمل، وكانوا متحمسين للحركة والاستقلال، إلا أنه كان ينقصهم إصابة الرأي والنظر البعيد، فهاموا في أودية الخيال وجهلوا شعور البلاد، وأهملوا إعداد شعور الأمة إعدادا يكفل النجاح.
أما الزعماء في ألكسندرية فاختاروا لقب «جونتا» للاتحاد الإيطالي، واتجه هدفهم السياسي نحو مملكة إيطالية في الشمال، وقد أظهرت الثورتان ضعف الشعور بالوحدة والتضامن الصحيح في العمل، ومع أن بعض رجال الثورة مثل سانتاروزا كان يتوقع جمع القوى الوطنية في الشمال والجنوب، وكان «منزوني» يرتل النشيد الآتي: «أمة واحدة جسما وقولا وقانونا وقلبا.» فإن المتآمرين في بيمونته لم يخبروا نابولي بأهدافهم وخططهم، وأجلوا حركتهم إلى أن قمعت الثورة في الجنوب.
وكان لكل من بيمونته ولمبارديه والروماني ونابولي وصقلية سياسة خاصة لم يكن بعضها غريبا عن البعض الآخر فحسب، بل إنها كانت ذات أهداف متباينة، وقد يصطدم بعضها بالبعض الآخر، فرجال بيمونته ولمبارديه كانوا يتناقشون فيما بينهم حول أي من المدينتين - تورينو وميلانو - يجب أن تكون العاصمة، ورجال صقلية كانوا يكرهون أهل نابولي كل الكره، حتى إنهم فرحوا بانتصار النمسويين، وكان أهل نابولي يفضلون التخلي عن الغاية القومية على أن يمنح الحكم الذاتي إلى صقلية، فضلا عن أنهم رفضوا دعوة وطنيي المارك لإشعال نار الثورة في ممتلكات البابا.
فمن الواضح إذن أن حركة الكاربوناري كانت تسير في طريق خاطئ، ولم يكن للثورة في وادي بو إلا صدى ضئيل، وقد لاحت بوادر المؤامرة في الروماني حتى إن الشاعر الإنجليزي «بايرن» كان قد خزن السلاح في بيته لتجهيز الثوار به، إلا أن الثورة فشلت في الشمال والجنوب، وأصبحت البلاد ترزح تحت نير الظافر.
فسيق كنفالونيري مع كثير من رفقائه إلى معتقل «سبيلبرج» في موارفيه؛ حيث أخذ الإمبراطور فرانسو جوزيف يلعب بضحاياه لعب القط بالطيور الصريعة، وأطلق مترنيخ العنان لدوق مودينه للانتقام من رعيته، وطلب إلى فرديناند ملك نابولي أن يتظاهر بالحرية بمنح مجالس الإيالات بعض السلطات، ومنح صقلية إدارة مستقلة خاضعة لنائب الملك.
إلا أن الملك لم يلب الطلب، وأخذ ينتقم من الأحرار في قساوة ووحشية، فأقصى من الإدارة والجيش والمؤسسات الدينية جميع العناصر الموالية للأحرار، فشهدت نابولي أفظع المظالم، وعلى الرغم من أن النمسويين سعوا لإنقاذ الضباط الثائرين إلا أن الملك أبعد ثلاثين منهم إلى جزيرة جعلها سجنا، فكانوا ينامون فيها على الأرض ويكابدون أسوأ معاملة حتى ماتوا فيها.
अज्ञात पृष्ठ