بهذا الإنذار ظهرت النمسة بمظهر المعتدية ثم إنها أصبحت البادئة بالخصومة، ولقد قطعت النمسة علاقاتها السياسية ببيمونته وتأكد كافور بأن فرنسة سوف تمد يد المساعدة إليه وأن عدوه فقد عطف أوروبا السياسي، أما نابليون فقد أعلن الحرب على النمسة رسميا في 29 نيسان 1589.
الفصل السادس والعشرون
حرب سنة 1859
نيسان-تموز 1859
لقد كان الإنذار الذي وجهته النمسة إلى بيمونته خطأ سياسيا؛ إذ أغضب أصدقاءها وجعلها منعزلة ومتهمة من قبل الرأي العام الأوروبي، وقد انقلب العطف الإنجليزي إلى غضب، وبذلت كل من الوزارتين الإنجليزية في لندن والروسية في بطرسبرج نفوذهما للحيلولة دون انضمام البلاطات الألمانية الصغيرة إلى النمسة، أما بروسية فقد سخطت على عمل النمسة الأهوج وصممت - بعزم - على أن لا تنجرف إلى الحرب خلافا لرغبتها، وعقدت النية على أن لا تعير أهمية إلى أي قرار يتخذه مجلس الاتحاد يتعلق بإعلان الحرب.
ثم ما كاد الخبر يصل إلى باريس حتى تفجرت الحماسة الشعبية التي شملت فرنسة بأجمعها ما عدا الحزب الإكليريكي انتصارا للقضية النبيلة التي احتضنتها، أما في بيمونته فتنفس الناس الصعداء لانتهاء الأزمة على هذا الشكل بعد أن توترت مدة طويلة، وقد عين مجلس الأمة الملك دكتاتورا طول مدة الحرب ثم عطل جلساته، وأخذ معظم الأشراف الذين يمقتون السياسة القومية يقدمون أولادهم للدفاع عن شرف بيمونته، ووقف كافور في المجلس النيابي خطيبا قبيل حله يقول:
إن هذا المجلس هو آخر مجلس بيمونتي، أما المجلس القادم فسيكون مجلس المملكة الإيطالية.
وهكذا نزلت الأمة إلى ساحة الوغى بعزم وثبات، وكان الناس يدركون خطورة العمل الذي أقدمت الحكومة عليه، والذي مصيره إما إلى انكسار يؤدي إلى أن يحتل العدو تورينو وفي هذا القضاء على الحرية والاستقلال، وإما إلى انتصار وهذا يتطلب تضحيات جسيمة وآلاما لا حد لها، فلم يكن بد للأمة من أن توطد القدم على اجتناب أي شيء يخل بالثقة والاعتماد على الملك والحكومة التي هيأت لإيطالية مثل هذه الفرصة السعيدة.
بدأت الحرب في 26 نيسان، وشرعت القوات النمسوية بعد ثلاثة أيام باجتياز نهر تسينا في سرعة استهدفت فيها سحق الجيش البيمونتي قبل وصول النجدات الإفرنسية، مع أن وزير الحربية البيمونتي قد استعد منذ سنوات لدرء هذا الخطر فأسس معسكرا حصينا في مثلث «ألكسندرية، فاليزه، وكساله»؛ حيث احتشد ستون ألف جندي من الجيش البيمونتي، وكانت قوة النمسويين تبلغ مائة وستين ألفا، فلو كان على رأسها قائد ماهر نشيط؛ لسحق الجيش البيمونتي قبل مجيء القوات الإفرنسية ودخل تورينو، ولكن القائد النمسوي أضاع وقته في حركات ثانوية ثم تقدم نحو تورينو، فوصلت مقدمته في 8 أيار إلى بضعة فراسخ من العاصمة، فاستعدت تورينو لدفاع مستميت اضطلع به حرسها القومي وثمانية آلاف من الإفرنسيين الذين قدموا نجدة إليها، وحمل الأهلون في الأرياف السلاح ونزل غاريبالدي ومتطوعته إلى الميدان، وبعد ثلاثة أسابيع من الشروع في الحركات تقدم الجيش الإفرنسي والبيمونتي نحو المواضع التي احتلتها القوات النمسوية، وفي 30 أيار هاجمت القوات البيمونتية مواضع النمسويين وراء نهر «سيسيه»، واستولت عليها قبل وصول القوات الإفرنسية إليها، وكان الملك فيكتور عمانوئيل يقود الهجوم بنفسه.
وبعد أن حارب غاريبالدي في أطراف البحيرات توجه نحو لمبارديه على رأس المتطوعين البالغ عددهم خمسة آلاف، وكانوا خليطا من جميع الطبقات منهم أشراف ومنهم فنانون وطلاب وأطباء وعمال، وكلهم تركوا مساكنهم وضحوا براحتهم في سبيل الحرية.
अज्ञात पृष्ठ