فلم تمل إنجلترة وفرنسة إلى قبول هذه الشروط لأن النمسة قد انضمت إلى الحلف ورفضتا أن تسجلا في المعاهدة أي تعهد، وبهذا أصبحت الوزارة أمام أمرين، إما الحلف بلا قيد ولا شرط أو العزلة.
وكان الملك يؤثر انسحاب الوزارة على ترك الحلف، كما طلب اللاجئون اللمبارديون العدول عن الشرط المتعلق بالحجز على أملاكهم.
وبهذا وقعت الوزارة على المعاهدة في 9 كانون الثاني 1855، ودهش الرأي العام البيمونتي لذلك كل الدهشة، وبدا له أن هذا المشروع جريء عجيب؛ إذ لا يكاد المرء يرى أية مصلحة للبلاد، ولكن كافورا بذل جهده وسخر ذكاءه وحذاقته؛ لحمل المجلس النيابي في إقراره، وقد لقي كافور في ذلك صعوبة عظيمة فلم يستطع الناس أن يفهموا كيف يجوز لبيمونته أن تحارب روسية التي لم تخش مطامعها يوما ما، بينما ظلت بروسية محايدة والنمسة متفرجة فضلا عن أن هذه الحركة تتطلب التضحيات في النفوس والأموال وتستدعي قروضا باهظة سيحمل الناس عبئها على كاهلهم، وسيكبدون ضرائب جديدة .
والأغرب من ذلك كله أن تقف بيمونته بجانب النمسة وتساعد مضطهدي السلاف الثائرين، والواقع أن البلاد بأجمعها لم تشعر بخطر العزلة إلا قليلا، ولم تكترث لأهمية منح بيمونته صوتا في المؤتمرات الأوروبية ورفعها إلى مصاف حليفة الدول الغربية، وجعلها المحامية عن قضية إيطالية، مما تتضاءل معه كل تضحية مهما كثرت، وأخيرا أقر المجلس النيابي المعاهدة بخمسة وتسعين صوتا ضد أربعين صوتا.
وكان صيف سنة 1855 دور قلق لبيمونته
يؤدي حتما إلى انتصار الإكليريكيين في الداخل انتصارا حازما، وقد مثلت القوة الصغيرة البيمونتية البالغة عددا 17000 دورا سلبيا لا شأن له في المعارك ولكنها أدت واجبها في حماية جناح الخلفاء الأيمن كما يجب، وتفوقت بخدمات ميرتها وشئون صحتها السيارة الجيدة فكانت على نقيض ما قد انتاب الميرة الإنجليزية من فوضى.
ولما اشترك الجنود البيمونتيون في القتال في وادي جونايا ي وسط آب، وهنا يجب ألا ننسى أن الإفرنسيين هم الذين واجهوا صدمة القتال؛ فإنهم أدوا واجبهم بكل بسالة حتى زعم كافور أنهم غسلوا عار نوفاره، وأخذ الناس يصدقون القول بأن «طريق القريم يوصل إلى لمبارديه.» وأن «في خنادق القريم تبنى الوحدة الإيطالية.» وأخذ الناس في إيطالية يستبشرون باشتراك بيمونته في الحلف ويعتبرونه رصاصة في مسدس انطلقت من أذن النمسة، والواقع أن الظفر في القريم خدم مصير إيطالية أكثر من جميع الخطب والمقالات التي دافعت عن قضيتها في أوروبا الصماء.
وكان كافور على حق حين طلب إلى الحلفاء بأن يهتموا لحالة إيطالية، فلم يكن في روما إلا الفساد والفوضى وليس في لمبارديه والروماني سوى استبداد عسكري غاشم، وساد الطغيان نابولي ففي روما لم يؤبه لمجلس الدولة إلا قليلا، وقد حاول المجلس المالي أن يدعم حقه الأسمى في الإشراف على الميزانية، بيد أن الحكومة أهملت أمره حتى أمسى بمرور السنين لا شأن له ولا قيمة، وأصبحت الدعوى التي كثيرا ما تكررت بقبول العلمانيين في جميع الوظائف؛ حبرا على ورق؛ فالعلمانيون لم يشغلوا إلا المناصب الثانوية ، وكان جميع الرؤساء في الوزارات - ما عدا الحربية - وجميع الولاة وجميع كبار القضاة؛ من رجال الدين، وكانت المجالس العمومية خاضعة لإرادة الحكومة كل الخضوع، ولم يمنح حق الانتخاب إلا لأولئك الذين سلموا من الأخطاء السياسية والدينية، فاقتصر التمتع بهذا الحق على جماعة صغيرة من أغنياء الملاكين.
ولم يكن الحكم الصالح في نظر رجال الإدارة في روما إلا من الأمور الثانوية، فهم الكرادلة اقتصر على محاربة التفكير الحر والحيلولة دون تقدم علم الطب، ناهيك ما كانت تقترفه محكمة التفتيش من مظالم، وقد زج أحد الناس في السجن؛ لأنه لم ينزع قبعته في الكنيسة، وعذب أحد مواطني فيرمو إلى حد الموت لأنه كفر، وبينما كان أنتونللي والكرادلة السياسيون يذرون الرماد في عيون أوروبا أو أنهم يهددون فرنسة بالنمسة؛ كانت عصابة السانفيديست المحمية من قبل الكرادلة تقبض على زمام الدولة.
وقد أصبح «جاللي» بفضل الطريقة المخزية التي اتخذها في إدارة الخزينة؛ ثريا، كما أثرى أنتونللي بطريقة غير مشروعة، حتى اضطر إلى تقديم استقالته على إثر الفضيحة التي شاعت عن علاقته بمصرف روما وظل «ألبير» الرجل الذائع الصيت مراقبا أول لشئون الجمارك إلى أن اضطر إلى الهروب ليسلم من يد القضاء.
अज्ञात पृष्ठ