وكان كافور يرى أن تحسين المالية وتنظيمها وتقويتها أمور جوهرية تمس حياة الدولة ووجودها ولا سيما لأن الخزينة كانت مثقلة بسبب الغرامات الحربية الواجب دفعها إلى النمسة ونفقات الجيش والإعانات التي تدفع إلى السكك الحديدية، وقد بلغ عجز ميزانية سنة 1851 ستين مليونا من الليرات،
1
وزادت نسبة الضرائب ثلاثين في المائة وتجاوزت فائدة الديون من مليونين إلى ثلاثين مليون ليرة سنة 1852، فاقتضى بعد النظر للأخذ بسياسة الاقتصاد من النفقات، وذلك يتطلب وجود مالي جريء يستطيع أن يطلب إلى البلاد بأن تستعد لزيادة ديونها.
وإذا كانت بيمونته تريد أن تستعد لحرب جديدة، فينبغي لها الاحتفاظ بالجيش وتنظيم الأسطول وصرف نفقات كبيرة لإقامة الحصون، كما أنه يجب مد سكك حديدية لإنماء صناعتها وفتح نفق عبر جبال الألبة، وقد أدت هذه الأعمال إلى تضخم في القروض وزيادة في الضرائب، فرأى كافور أنه يجب أن يكون للبلاد من القدرة ما تستطيع بها أن تجابه هذه التكاليف الجديدة فلا يتسنى لها ذلك إلا بزيادة مصادر الثروة فيها.
وقد اعتقد أنه يستطيع أن يجعل الصناعة والتجارة كفيلتين بتحقيق تلك القدرة، وذلك بالأخذ بمبدأ حرية التجارة قدر الإمكان، بيد أنه لاحظ بأن الرأي العام لم يكن متهيئا ليتقبل مبدأ حرية التجارة في أوسع معانيه فقصر عمله على عقد اتفاقيات تجارية، وقد استطاع أخيرا بالاتفاقيات التي عقدها مع فرنسة أولا ومع بلجيكة وإنجلترة بعد ذلك، ثم مع سويسرة والاتحاد الجمركي البرلماني والنمسة نفسها؛ أن يفخر بعد بضع سنوات بأن التعريفة الجمركية البيمونتية أكثر سخاء من تعريفات القارة، وظهرت أول نتائجها الاقتصادية فكاد التهريب يزول من الوجود، ولم تصب الجمارك بأية خسارة في الواردات واندفعت بيمونته في طريق التقدم التجاري السريع حتى أصبحت مخزنا لحرير إيطالية، وأخذ كافور بعد ذلك يحلم بإقامة حلف بين بيمونته والدول الغربية ليجابه به الحلف الاستبدادي الشرقي التي عقدته النمسا مع أمراء إيطالية.
الفصل الثاني والعشرون
زعامة بيمونته
1851-1853
وكانت المعاهدات التي عقدها كافور فاتحة نجاح باهر ظل يرافق ما قامت به بيمونته من أعمال حتى غدت بيمونته المملكة الصغيرة الباسلة البلد الذي توجهت إليها جميع الأنظار في أوروبا، والحق أن دازجيلو شق طريق استجلاب عطف الرأي الأدبي العالمي فسار عليه كافور وقد رضي الدموقراطيون عن وقوف كافور موقف الخصم للنمسا، أما الأحرار والمعتدلون من المحافظين فاغتبطوا بالفشل الذي لاقاه الديموقراطيون وكذلك فرح البروتستان والجماعات المعارضة للإكليريكيين بقوانين ساكاردي.
ولم تبق البلاد منعزلة كما كانت سنة 1849، وكان دازجيلو قد نال ثقة الرأي الأوروبي العام الأدبي بإخلاصه، فأبدى بالمرشتون تقديره الحار لموقف بيمونته، وأخذ السياح الإنجليز ومن بينهم جلادستون الذين زاروا تلك المملكة يبشرون بارتقاء هذه الدولة المنظمة التي تختلف عن البلدان الإيطالية الأخرى، وفي بيمونته نفسها كاد شعور الفخار بالفوز الذي استحقته ينسي سوء أثر كارثة نوفاره.
अज्ञात पृष्ठ