وبوجود الدستور يتعذر إبقاء مثل هذه الامتيازات؛ لأنها تخل بشروطه الأساسية، ولقد أدركت أول وزارة دستورية أن الاتفاقية مع روما التي تثبت امتيازات الكنيسة يجب معالجتها من جديد، وكان روسميني قد أوفد بدون جدوى للمفاوضة على شروط أحسن، وكان أمام الإصلاحيين سياستان فكافور يرى اجتناب إرهاق الكنيسة بأملاكها ونظامها الداخلي، ومقابلة التعصب بالتسامح، وإلغاء إشراف الحكومة الضئيل المنصوص عليه في الاتفاقية القديمة.
وكان يعتقد بأن الكنيسة سوف تتخلى عن السياسة إذا سلمت من العقبات المزعجة، بيد أن أكثرية الأحرار تجنبت القيام بتجربة كانت تبدو خطرة كثيرا على شعب ذي ثقافة قليلة ولا يتمتع باستقلاله الروحي إلا قليلا؛ حيث كانت الكنيسة تتوعد بأن تصبح قوة سياسية عظيمة تستطيع أن ترغم المؤسسة الدستورية، وأن تكون خطرا دائما لحكومة حرة، ومع ذلك كان الحزبان قد اتفقا على إلغاء المحاكم الإكليركية.
وتظاهر رئيس أساقفة «تورينو» فرنسوني بمقاومة كل إصلاح وكان زميله أسقف «آستي» قد اتهم بأمور شائنة، فهرب أمام تهديد الجماهير وأرسل دازجيلو في نهاية سنة 1849 القاضي سكاردي وهو أحد المعتدلين المعروف بنزاهتهم؛ إلى روما يطلب تبديل فرانسوني وأسقف آستي والتساهل في بعض ما يتعلق بتنفيذ الاتفاقية ولكن ما أسرع ما عاد دون أن يحصل على شيء سوى أن أنتونللي عرض عليه اقتراحات يتعذر قبولها، ودخل سكاردي الوزارة فعرض في بداية سنة 1850 لائحة باقتراحاته الشهيرة، وهي تتلخص بإلغاء المحاكم الإكليركية، وإلغاء حق الحمى واتخاذ العقوبات بحق المجرمين من رجال الدين على السواء واقتراحات أخرى.
كما أنها تتضمن وعدا من الحكومة بتقديم لائحة تقضي بمشروعية النكاح المدني، وقاوم نواب اليمين هذه اللائحة بحجة أن موافقة روما على أي تعديلات في قانون الإكليريكي لا بد منها، ولكن كان على الحكومة أن تختار بين الاتفاق مع البابا والدستور، وطبيعي أن تختار الثاني، وكان الفريق الأكثر اعتدالا في اليمين وجميع أعضاء اليسار بجانبها، واندفع الرأي العام في تورينو في تأييدها وبلغت نقمته على الرهبان حدا اضطرت معه الحكومة إلى استعمال القوة لمنع إحدى المظاهرات العدائية.
وقد مر قانون سكاردي من المجلس بعد أن أقره بمائة وثلاثين صوتا ضد ستة وعشرين صوتا، ثم مر من مجلس الأعيان بتأييد أكثرية اثنين ضد واحد، وأبت روما الاعتراف بما جرى، ووقف البابا من هذا الاختلاف موقفا غير معقول؛ إذ رفض أن يمنح حقا منح مثله الأمم الكاثوليكية جميعها؛ ذلك لأنه يكره هذه الدولة الإيطالية الحرة الوحيدة ويخشاها كثيرا.
وغادر سفير البابا تورينو ورأى الأساقفة شبح الثورة، وأصدر فرانسوني كتابا يأمر به الإكليروس بأن لا يكترثوا للقوانين الجديدة، وأن لا يحضروا أمام المحاكم المدنية إلا مكرهين، ولما اتهم بالتحريض على عدم الإطاعة، وطلب منه الحضور أمام المحكمة؛ امتنع فحكم عليه غيابا بالسجن شهرا واحدا.
وعلى إثر ذلك اشتد سخط رجال الدين حتى إنهم تهددوا بالحرمان كل من اشترك في وضع القانون الجديد، ولما أصبح «ساتناروزا» وزير الزراعة على حافة الموت؛ رفض الراهب زيارته فمات من دون تزكية، ثم رفض الإكليروس - بتحريض من فرانسوني - القيام بمراسيم دفنه، مما أثار سخط الناس حتى كانت جنازة ساتناروزا مظاهرة وطنية عظيمة.
وقبضت الحكومة على فرانسوني واعتقلته
الصيف محاولتان للتفاهم ففشلتا ؛ ذلك لأن أنتونللي لا يريد أن يرجع عن رأيه القائل بأنه لا يجوز خرق الاتفاقية من دون رضاء الفريقين، هذا من ناحية ولأن الرأي العام في بيمونته كان يطالب بإلحاح باتخاذ تدابير جديدة ضد الكنيسة من ناحية أخرى.
وقد ألغيت زكاة ساردينه مقابل تعويض، وطالما ألجأ المجلس بشدة اندفاعه هذا الكبير الحكومة إلى السير في طريق الشدة، وأصر حزب اليسار على الحكومة أن تفرض حقوقها في الإشراف على كراسي تدريس اللاهوت في الجامعات؛ للقضاء على مهاجمة الأساتذة للدستور، ولكن كافور كان مخالفا لكل تحديد يمس حرية التدريس، وبناء على تدخله تأجلت المذاكرة حول القانون فانتهز البابا هذه الفرصة للانتقام من جامعة تورينو فحرم «نوئيز» أستاذ اللاهوت فيها لأنه أيد حقوق الدولة في الإشراف على الشئون الإكليريكية.
अज्ञात पृष्ठ