Carl H. Becker
وزير الفنون والعلم والتربية في ألمانيا (1927)، وهو أحد مشهوري المستشرقين. أما أبحاثه الإسلامية فتعتبر من أدق المباحث وأطلاها، وأكثرها ابتكارا، وأعمقها فكرة، وأصحها سندا. ولقد ترجم كتابه المعروف «فتوحات العرب» إلى الإنكليزية وضمته جامعة كمبردج إلى مجلداتها التي تخصصها لدراسة تاريخ القرون الوسطى (1912)، وله مجلة ذات شهرة واسعة اسمها الإسلام -
Der Islam - تكاد تكون المحور الذي تدور من حوله كل الأبحاث المبتكرة في تاريخ الإسلام، ونبعا فائضا للتنقيب المنتج في أخص المسائل التي تتعلق بالمدنية الإسلامية. أما ما ننقله هنا، فمن مقالة له تحت عنوان «الإسلام في التاريخ» نشرت في مجلة «الأمم» التي صدرت في شهر فبراير سنة 1927، قال:
تستعمل لفظة «الإسلام» عادة في كثير من المعاني المختلفة، فقد نستعملها لتدل على دين الإسلام، سواء أتكلمنا في تعاليم محمد الأصلية، أم في مجموع المذاهب القديمة التي هي شيء مختلف تمام الاختلاف عن تلك التعاليم، أو في دين المسلمين المعروف اليوم في آسيا وإفريقية، وسواء أوعينا في أذهاننا أوجه النشاط الديني التي يبديها الأتراك أو الزنوج، وسواء أتكلمنا في الغزالي أم في المهدي السوداني، فإننا نستعمل اللفظ ذاته ونقول «الإسلام». وكلما كانت معارف الناس أقل، كانوا أشد نزعة إلى التعميم، فمن ذا الذي يجرؤ مثلا على أن يصف الأوضاع الكنسية في بلاد الحبشة، بأنها ذات النصرانية، من غير أن يعرض نفسه للاستهزاء والسخرية؟ ولا جرم أن القول بأن هذه الأوضاع هي بذاتها البروتستانتية النصرانية، من غير تعديل أو تكافؤ بين الحالات، لأبعد عن أن يتورط فيه باحث يزن الأشياء بميزانها الصحيح.
ولم نكتف بهذا بل استعملنا لفظ «الإسلام»؛ ليدل على إحدى إمبراطوريات الشرق العظمى، أو على كل الحكومات المتفرقة التي كانت تنشأ عادة على الإمبراطوريات الكبرى وبقاياها، حتى لقد نطلق الاسم على الحكومات الفعلية، بل صرفناه على شيء أكثر من هذا خطرا، فعرفناه على أنه نظرية سياسية، سواء أقامت تلك النظرية على مذهب سياسي أو مبدأ تنزيلي.
وكلما استعمقنا في بحث هذا الموضوع، ازددنا اقتناعا بضرورة التفريق بين المدلولات. غير أنه ليس في وسعنا أن نقرر بصلابة أن تعريفا جامعا مانعا يجب أن يوضع لتحديد ما يعنى بلفظ «الإسلام» في كل حالة من الحالات الخاصة، وعلى الأخص إذا عمدنا إلى وضع تقديرات معينة للقيم المتناظرة، على أن الباحث الاختصاصي، مهما جهد نفسه في التحوط والحذر، ومهما بذل من عناية في استخلاص تلك التحديدات الضرورية؛ فإنه لا محالة يستعمل تلك اللفظة العامة - «الإسلام». على أنه يجب أن نتساءل! هل لهذا من مبرر؟ أو بعبارة أخرى: هل كل المعاني المختلفة التي يجمع بينها هذا الاصطلاح تدخل حقيقة تحت مدلول «الإسلام» عامة، ذلك المدلول الذي لا يخرج بديا وتخصيصا عن أنه دين؟ غير أن هذا السؤال قد أجبنا عليه مقدما وحددناه، إذ قلنا بأن اصطلاح «الإسلام» ومسألته في التاريخ، قد استعملناه من غير أن نضيف إلى ظاهره مدلولات أخرى.
أما وقد حللنا كلمة «الإسلام»؛ فإنا بذلك نكون قد جاوزنا النظر في العوامل الأساسية، التي إذا أخذت في مجموعها، كونت ذلك الشيء الذي نحس بأنه التصور الوحيد الذي يمكن أن نكونه في «الإسلام»، أي ذلك الإيمان الكلي المتماسك الأطراف، وذلك المثل السياسي الأعلى المتآلف الأجزاء، وتلك المدنية المتناسقة التي تتمشى في أجزائها فكرة الوحدة والائتلاف، والتي فضلا عما نجد فيها من الاختلافات الموضعية، نلمح في مجموعها وحدة المثل العليا، كما نقع فيها على شيء من الوحدة في العمليات.
وما من شك في أن «الدين» هو الذي يجمع بين هذه العوامل الشتيتة، وأن الفكرتين السياسية والمدنية، كليهما، لم يكونا لينتشرا ويثبتا مع الزمان لولا قيامهما على قاعدة الدين، وكذلك نجد في الوقت الحاضر أن «الإسلام» رابطة من الوحدة قوية، عادلت في كل عصور «الإسلام» قوة «القومية» الشديدة الأثر في النفوس، فجمعت بين الناس وكونت منهم عصبا أقوى وأشد مراسا؛ فإن زنجيا من زنوج قبيلة «الونغيدو»
Wangido
في شرق إفريقية الألمانية، إذا أصبح مسلما فإنه لا يتسمى باسم قبيلته، بل يتسمى بالإسلام
अज्ञात पृष्ठ