استقبلُوا خيرهُ بالخيرِ وافترِقُوا ... خَيرًا يكُن لكُمُ في الخيرِ خيرانِ
ودافِعُوا شرَّهُ عَنكُم بأحسنِهَا ... دفعًا فقد يُدفَعُ الشَّرُ بإحسانِ
بِذاكَ أسلافُنَا وصَّوا ... بنيهمُ مِنْ بنيْ هُودٍ وقحطانِ
ولم يزلْ ذاكَ في الحيَّين بعدهُمُ ... من حِميرٍ والذُّرى مِنْ فرعِ كهلانِ
لنا الذي أسَّسُوه قبلنا ولهُمْ ... ما نحنُ نبنيهِ من تشييدِ بُنيانِ
والمُلكُ فينا وفي إخوانَنَا ولنا ... ما كانَ للمُلكِ من عِزٍّ وسُلطانِ
بَنيَّ لا تقطعوا عَمرًَا ولا أُددًا ... والأزدَ طُرًَّا ولا أحياءَ همدانِ
والحيَّ حميرَ لا تعصُوا مُلُوكهُمْ ... فإنَّكُم معهُمْ في المُلكِ سيَّانِ
هُمُ أذلَّوا لكُم هذا الأنام وهُمْ ... أعطُوكُمُ المُلكَ في أبناءِ عدنانِ
وهُمْ أباحُوا بلادَ الهندِ وافتتحُوا ... مدائِنَ العُجمِ في أقصى خُراسَانِ
وهُمْ صُلُوا نارَ أهلِ الصِّينِ دُونكُمُ ... حتَّى حووها لكُم يا آلَ قحطانِ
والرُّومَ قد منحُوهَا عُنوةً لكُمُ ... وأرضَ فارسَ داسُوهَا وكِرمانِ
وصية معديكرب
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن معد يكرب الكندي وهو الذي يقال له ذو التاج الأوضح أقبل على بنيه وهو يقول: " من المتقارب "
بَنِيَّ حلبتُ الزَّمانَ الخَؤُون ... ودرَّجتُ أَسطرَهُ بالغيرْ
وأبليتُ ثوبَ الشَّبابِ النَّضيرِ ... وبُدَّلتُ ريعانَهُ بالكِبرْ
وقد دقَّ عظمي ودانى خُطاي ... وخانَنِيَ السَّمعُ بعد البَصرْ
وأصبحتُ أُخبِرُ عن معشرٍ ... مضى العينُ مِنهُمْ وولَّى الأثرْ
يُسائِلُنِيْ الحيُّ عن سالفيهمْ ... كأنِّي لفائتها ذُو العُمُرْ
أو إنِّي ركِبتُ وأولادَ نُوحٍ ... على ذاتِ ألواحِهَا والدُّسُرْ
بنيَّ اسألونِيْ ولا تسألُوا ... سوايَ فعِنديْ صحيحُ الخبرْ
عَنِ المُلكِ كيفَ حوتهُ الرِّجالُ ... من أبناءِ قحطانَ دُونَ البَشَرْ
لأُخبركُمْ خبرًا شافِيًا ... يُسرُّ بِهِ منكُمُ منْ يُسَرْ
ينالُ مِنَ المُلك ما لا يظن ... بما قلَّ من ذاتهِ أو كَثُرْ
ومنْ يأمَنِ الجارُ مكرُوهَهُ ... وللجار مَأمولُهُ يُنتظرْ
ومن يتَّقِ اللهَ في أمرِهِ ... ويرجُو النَّجاةَ ويخشى الغِيرْ
ويعلمَ أنَّ إلهَ السَّما ... ءِ دُونَهُ لامرئٍ من وزرْ
يرى ما يرونَ وما لا يرونْ ... ومن عندِهِ مُحكماتُ الزُّبُرْ
فهاتا وَصَاتيْ لكُم يا بنيَّ ... وكانتْ وصاةَ جُدُودِيْ الغُررْ
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن الأسود بن معد يكرب حين سمع هذا الشعر من أبيه آلى يمينًا ألا يتّزر على زينة أبدًا، ولا يمنع السائل مسألة يومًا، ولا تخمد له نار على طارق ما عاش، ولا يتقي أحدًا فيما يروم من أمر الملك في دنياه إلا الله الذي خلقه وبرأه. ثم أقبل على بنيه وهو يقول: " من الرجز "
إنِّيَ وأيم اللهِ يا معديكرِبْ ... لبارحٌ ما عِشتُ أو ما تحتنب
واحد منك يا عصام الأدب ... فليأمَنَنْ جاريَ ما هبَّ ودبْ
فليسَ من عِندِي على جاري الأربْ ... إنِّي وحقِ الجارِ حتمًا قد وجبْ
وسوفَ أُعطِيْ ما ملكتُ بل أهَبْ ... من البلادِ واللُّجينِ والذَّهبْ
والطَّارف الميراثِ عن أمٍّ وأبْ ... حتَّى أشيدَ حسبًا فوقَ الحَسَبْ
وشرفًا يُغنِيْ الفتى عن النَّسبْ ... يُنبِيكَ أنِّي منْ جماهيرِ العربْ
ذِمامُهُمْ يُغشَى الَّذي يهدِيْ الطَّلبْ ... من شاءَ مالِيْ دُونَهُ فليَنتهِبْ
وتِلكَ نَارِيْ ما بقيتُ تلتهِبْ ... للطَّارق الضَّاوي وللطَّاوي الصَّغِبْ
1 / 37