ويقال: إن حسان هو الأقرن. توفي بأرض المغرب، فولي الملك بعده إفريقيس. ويقال: إنه اسمه إفريقيش، كل ذلك قد قيل. ويقال إنه هو الذي بنى بالمغرب مدينة، يقال لها إفريقية، منسوبة إلى اسمه. وهو الثالث من التبابعة.
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن إفريقيس وصى أخاه أسعد أبا كرب، فقال له: قد علمت ما عهد إلي أبونا مما عهد إليه أبوه من وصايا الآباء والأجداد في سياسة هذا الملك الذي أوتينا من دون غيرنا، فعليك بالتمسك بما وجدتني عليه من بث العدل واصطناع الرجال ومكابدة العدو والصفح عند الاقتدار وسد الثغور وإتقاء الخلل.
وأنشأ يقول:
لمْ يروِ عنكَ ذخيرةً ممَّا بها ... مَلِكُ البلادِ أَخوكَ إفريقيسُ
لا تعدِلَنَّ وَصِيَّةً وَصَّاكَهَا ... إن الوصيَّةَ مَقصَدُ مأنوسُ
كُلَّ امرئٍ وبُلُوغُهُ في قومِهِ ... الكُلُّ كُلٌّ والرَّئِيسُ رئيسُ
والنَّاسُ كالأغصانِ غُصنٌ ناضِرٌ ... مِنها وذاوٍ قد علاهُ البُوْسُ
أَوصِيكَ خيرًا بالأنامِ فإنَّما ... لَكَ مُلكُهُمْ والمنصِبُ القُدمُوسُ
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن أسعد وهو الرابع من التبابعة ولي الملك بعد أخيه إقريقيس بن حسان بن تبع بن عمرو ذي الأذعار، فسار في الناس سيرة الأوائل من آبائه وأجداده، وملك من البلاد ما لم يملك أحد قبله، وأعطي من العدد والعدد ما لم يعط ملك، وهو الذي يقول: " من السريع "
يا أَيُّها السَّائِلُ عن خَيلِنَا ... ما العَالِمُ المُخبِرُ كالجاهلِ
تسعُونَ ألفًا عَددًا بُلقُها ... وَدُهمُها كالعارضِ الوابلِ
عن مُلكِنَا النَّاس لم تَعصِنَا ... في الأرضِ من حافٍ ومن ناعلِ
أَدَّتْ لنا الخَرجَ أحابيشُها ... والسِّندُ والهِندُ مع كابُلِ
والصِّينُ قد أدَّتْ لنا خرجَهَا ... في عاجِلٍ مِنْهَا وفي آجلِ
وكَمْ لنا في الشَّرقِ والغَربِ مِنْ ... مُستخرِجٍ جابٍ وَمِنْ عَامِلِ
في أرضِ كرمانَ وفي فارسٍ ... وفي خُراسانَ وفي بابلِ
كُلًا فتحناها لَنَا عُنوةً ... تحفِلُ مِثلَ الدَّبَى السَّائلِ
ويقال: إن أسعد الكامل مرض مرضة أشرف منها على التلف، وذلك عند انصرافه من سفره الذي سافر فيه حين دخل الظلمات، وكان له ولد يقال له حسان الأصغر، سماه باسم أبيه، ويقال: إنه لم يملك شيئًا، وهو الذي ذكره أبوه أسعد الكامل في شعره، يوصيه فيه عند مرضته تلك، حيث يقول:
حَضَرتْ وفاةُ أَبِيكَ يا حَسَّانُ ... فانظُر لِنَفسِك والزَّمانُ زمانُ
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن أسعد الكامل وصى، وهو عم أبيه، وهو المعمر من التبابعة، وهو تبع بن زيد بن رفيدة بن عمرو ذي الأذعار، وهو الخامس من التبابعة، فقال له: ما من شيء إلا وله أصل وأساس، وأصل الملك وأساسه الرجال، وأساسها الاحسان إليها، ومن أحسن إلى الرجال أطاعته وسمعت له، ومن سمعت له الرجال دانت له البلاد ومن فيها، وما دانت البلاد ومن فيها إلا لمالكها بعد الله ﷿، وحكم لمالكها أن يستديم له الملك فيها بالعدل والإحسان، فإنه لا طاعة لمن لا عدل له، ولا ملك لمن لا إحسان له. ثم أنشأ يقول: " من البسيط "
لا مُلكَ إلا الرِّجالُ المُحضِرُونَ لَهُ ... بالمَشرَفيَّةِ والصُّمِّ المَدَاعِيسِ
في الخافقينِ لهُمْ ضربٌ تَطِيُر لَهُ ... أيديْ الحُماةِ وهَامَاتُ القناعيسِ
فَهُمْ أساسُ العُلا والمكرُمَاتِ ... وهُمْ لرائِم المُلكِ عِزٌّ غيرُ مَنْكوسِ
متى أَطاعوهُ وانهَلَّتْ تبابِعَةٌ ... في الرَّحلِ منها وفي الخيلِ الكراديسِ
نالَ العُلا وحوى المُلكَ العظيمَ بهِمْ ... والحظُّ في المُلكَ جاءَ غيرَ منحُوسِ
وَمَنْ عَصَوهُ فمدحُورٌ وَمُنَكشفُ ... ومَنْ أطاعُوهُ عالٍ غيرَ مَنخُوسِ
وعدة المَرءِ دُونَ النَّاس أُسرتُهُ ... وهَلْ تُشادُ العُلا إلا بتأسيسِ
1 / 10