विरासती ममालिक़ मान्सिय्या: धर्म जो पश्चिमी एशिया में पतनोन्मुख हैं
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
शैलियों
ويوجد فرق آخر بين المسيحيين المصريين والأوروبيين وهو أن الأقباط احتفظوا بالعديد من القواعد التي خففها المسيحيون الأوروبيون، أو حتى شددوها. فقد تحملت أبرشية كنيسة القديس مرقس أكثر من خمسين يوما من الصوم القبطي الكبير القاسي، يمتنعون خلالها تماما عن جميع أنواع الأسماك، واللحوم، والمنتجات الحيوانية مثل الحليب والجبن. وفي يوم الجمعة العظيمة (التي تسمى «جود فرايداي» (أي الجمعة الطيبة) في بريطانيا وأمريكا) لا يأكلون شيئا حتى غروب الشمس، ويصلون طوال اليوم: حيث كانت الصلاة في كنيسة القديس مرقس قد بدأت عند الفجر، عندما وضع صليب في ممر الكنيسة وزين بالشموع والورود. اشتملت إحدى الصلوات على أربعمائة إيماءة تبجيل (ومع أن التبجيل، عند البعض، كان يعني مجرد انحناءة للرأس، نزل رجل على الأرض ليسجد). ومع أنهم كانوا يعيشون على بعد آلاف الأميال من وطنهم، فإن حماس الأقباط لإيمانهم لم يضعف.
يرجع تاريخ الكثير من الأشياء التي استطعت رؤيتها أمامي - كان ستار مليء بالتفاصيل يفصل المذبح عن المصلين، وأيقونات للقديس مرقس ومريم العذراء - إلى القرون الأولى بعد الميلاد، عندما حلت المسيحية محل تعدد الآلهة في مصر القديمة. لكن في الكتب الموضوعة لإفادة الآخرين في الممرات بوصفها كتبا إرشادية للصلاة، رأيت أن الكنيسة لم تستخدم التقويم الغربي ولا الإسلامي الموجود أحيانا في العالم العربي. وبدلا من ذلك، استخدمت التقويم الذي عرفه الفراعنة، حيث تسمى الشهور برمودة وكيهك («الشهر الذي تتجمع فيه الأرواح») وتوت (الذي سمي تيمنا بالإله تحوت الذي يرسم عادة برأس قرد بابون). وفيما يخص ذلك، كان تأريخ العام على أساس عصر الشهداء الذي يبدأ في العام الغربي 284. كان هذا عندما ذبح الإمبراطور دقلديانوس المسيحيين؛ وهو اضطهاد لا يزال يتذكره الأقباط.
إن أسلوب الترانيم في كنيسة القديس مرقس في ذلك اليوم كان يمكن أن يكون مألوفا لسياسي وعالم يوناني يدعى ديميتريوس الفالرومي، الذي عاش في مدينة الإسكندرية الساحلية في مصر في القرن الثالث قبل الميلاد. فقد كتب: «في مصر، عندما يغني الكهنة ترانيم لمدح الآلهة، يستخدمون الحروف المتحركة السبعة التي ينشدونها بترتيب معين؛ والموسيقى الصادرة عن هذه الحروف تبدو جيدة جدا لدرجة أن الرجال يفضلونها على الناي والقيثارة.» وهكذا يفعلون الآن. فقد غنى الكاهن والشماسون «أوه-أوه-أوه»، وهم يتنقلون بين مجموعة من النغمات، ثم «إيه» و«آه»، وبصعوبة شديدة كان يمكن سماع الحروف الساكنة للكلمات. كانت هذه ترنيمة «بيك اثرونوس» [أي «عرشك يا الله»]. فهي تتحول من الحزن إلى الفرح بفكرة القيامة، مثلما فعلت الأغنية القديمة التي استندت إليها حيث نعت الفرعون الذي مات واحتفلت بتولي خليفته. كنت أسمع موسيقى الفراعنة الجنائزية في أكثر شوارع لندن اخضرارا. ويدور هذا الفصل حول كيفية وصولها إلى هناك، وما يعنيه ذلك للمسيحية في مصر. •••
كان أول تعيين لي خارج البلاد بالقاهرة في عام 1997. كنت حينها دبلوماسيا مبتدئا قادما مباشرة من لندن لدراسة اللغة العربية. قال السفير: «مرحبا بك في السفارة، وآمل ألا تسيء فهمي إذا قلت لك إننا لا نريد رؤيتك هنا مرة أخرى. اخرج واقض وقتك مع المصريين.» لم تكن مجموعتنا الصغيرة من الطلاب بحاجة إلى المزيد من النصائح. فقد كانت المدينة مصدرا للإلهام. لقد كانت تجمعا كبيرا للبشرية، ربما ثمانية عشر مليون شخص، مع وصول المزيد كل يوم؛ تاركين وراءهم الحياة في القرى الواقعة على امتداد نهر النيل ويتدفقون إلى العاصمة بالقطار، أو بالحافلة، أو سيرا على الأقدام، أو في عربات، ليستقروا في أحياء فقيرة عشوائية، على حافة المدينة القائمة، حيث الفقر والغنى جنبا إلى جنب. اعتدت أن أسير من الشارع الذي تصطف على جانبيه الأشجار إلى الأحياء الفقيرة وأشاهد المتلاعبين بالسكاكين وتجار الشوارع يقفون وسط مياه الصرف الصحي التي كانت تتدفق عبر الأزقة الترابية.
كانت المدينة أيضا مهرجان ضوضاء بهيجا، فوضويا، مربكا، وغامرا. عشت في المهندسين، وهي ضاحية عصرية مليئة بالأشجار. ولكن حتى هناك كنت أسمع بائع النعناع ينادي خارج نافذتي بحصانه وعربته في الساعة الخامسة صباحا، ومكبرات الصوت في المسجد وقت الظهيرة، ثم دوي أبواق السيارات في وقت متأخر من الليل. كنت أدرس في المجلس الثقافي البريطاني على ضفاف النيل، التي أصبحت أقل رومانسية بسبب أبخرة محرقة جثث كانت تنفث الرماد عبر الشرفة التي كنت أجلس عليها لتناول الغداء. لكن كان بإمكاني تحمل ذلك، وكل المضايقات الأخرى لتلك المدينة الملوثة والمزدحمة؛ لأنني كنت مغرما. ليس بشخص، ليس في ذلك الحين. لكنني كنت مغرما باللغة العربية. كانت مفتاحي لعالم خفي لكنه على مرأى من الجميع. فقد أتاحت لي دخول أماكن لم يكن بمقدوري دخولها لولاها، وجعلتني أقرأ كتبا وشعرا يعود تاريخه إلى أكثر من ألف عام؛ لأنها لم تكن قد تغيرت كثيرا خلال ذلك الوقت، لكونها لغة القرآن المقدسة؛ وفتحت لي المجال لإجراء محادثات كان من المستحيل أن أجريها من دونها. وكان للغة أيضا نظام استثنائي في تصميمه. فيمكنك تكوين جذر من ثلاثة أحرف. مثل الموتيفة الموسيقية، يمكن التعامل مع ذلك الجذر باثنتي عشرة طريقة مختلفة، كل واحدة تغير معناه تغييرا دقيقا. وكانت النتيجة لغة دقيقة بعذوبة مثل واحدة من مقطوعات باخ.
عند معظم الغربيين، تعتبر اللغة العربية هي لغة الإسلام. لكنني وجدت أن عدد المسيحيين في كنائس مصر الناطقة بالعربية في أيام الأحد يفوق عدد المسيحيين في كنائس إنجلترا. وقد انضممت إليهم؛ فكل أسبوع كنت أستقل سيارة أجرة أو المترو، الذي بناه اليابانيون ويتحرك بسلاسة ويتمتع بنظافة كبيرة، وصولا إلى ضاحية شبرا غير المميزة، والمتهالكة إلى حد ما. لذا لم يكن يوجد مكان أفضل منها للهروب من حياة المغتربين. كانت تقريبا مركز ثقل مصر، بتعريفها للطبقة الوسطى بمتاجرها الصغيرة، ومطعمها الوحيد المشهور، وشوارعها المرصوفة. كانت الأرض مغطاة بالحصى، والضوضاء تنبعث من كل مكان، وكانت لا تزال توجد الرائحة النفاذة الكريهة للهواء الملوث؛ لكن لم يبد أن هذه الأشياء كانت تزعج أصدقائي المصريين بقدر ما كانت تزعجني. لا توجد في قرى مصر أماكن يختار الأثرياء العيش فيها، وكانت الشقق الأفضل (كما أخبرني أصدقائي) هي التي تطل على الشارع الرئيسي الصاخب، وليس على الطرق الترابية الخلفية الهادئة. عندما زارتني إحدى صديقاتي في لندن، اشتكت من الهدوء الذي منعها من النوم.
وحتى يومنا هذا، لم تكن شبرا مقصدا للسياح. ومع ذلك فهم مخطئون إن كانوا يظنون أنها لا تتمتع بأي مميزات. فلديها شيء واحد على الأقل لن يجدوه في أي مكان آخر في الشرق الأوسط: محطة سميت تيمنا باسم قديسة أوروبية. عندما ركبت المترو في وسط القاهرة، مررت بمحطات سميت على أسماء رؤساء مصريين، ناصر، السادات، مبارك؛ ومررت بمحطة اسمها على اسم الفرعون رمسيس؛ ثم وصلت إلى محطة تسمى سانت تريزا.
كيف أصبحت القديسة تيريز دو ليزيو، وردة المسيح الصغيرة، على خريطة القاهرة؟ يمكن العثور على الجواب قبالة شارع شبرا الرئيسي في كنيسة في غاية الروعة. تحمل الكنيسة اسم القديسة تريزا لأنها تأسست على يد الكرمليين الفرنسيين، ومن أسباب روعتها رواق الكنيسة المغطى من أعلى إلى أسفل بلوحات جدارية نذرية باللغات الإنجليزية والفرنسية، والعبرية والعربية، تركها يهود، ومسلمون، ومسيحيون لتكون شاهدة على معجزات القديسة. لا تزال الكنيسة تجتذب بعض الزوار المسلمين الذين يأتون لإشعال الشموع في الخلف، وحتى عندما جاء إسلامي مسلح لتخريب الكنيسة منذ عدة سنوات، هاجم الصليب لكنه ترك صور القديسة وشأنها.
وفي يوم دخلت إلى ساحة الكنيسة الصغيرة المرصوفة بالأسفلت والتقيت بما كان سيصبح مجتمعي في مصر مدة عام. كان يوجد رجل ضخم يدعى عاطف، كان يبدو مثل حارس ملهى ليلي لكنه أراد أن يصبح راهبا؛ وماجي، التي كانت تتدرب بجد لتصبح مهندسة معمارية؛ وسميح، المهندس الواثق من نفسه. لاحظت بين رعية الكنيسة علامات تدل على ماضيها الفرعوني، فقد كانت توجد أسماء مثل رمسيس ونفرتيتي. وزعم رجل يدعى وائل، الذي كان يطمح إلى أن يصبح عارض أزياء، أن ملامحه كانت تشبه بالضبط ملامح الفراعنة. وكان يترأس الجميع بشكل ملكي الأب بولس، وهو كاهن من عائلة قبطية كاثوليكية. (في القرن التاسع عشر، أنشأت الكنيسة الكاثوليكية كنيسة بابوية في مصر، يمكن لأعضائها الأقباط الحفاظ على تقاليدهم الخاصة مع قبول سلطة أسقف روما. تضم هذه الكنيسة البابوية اليوم أكثر من 160 ألف عضو.) كان يمثل لي نموذجا يستحق الدراسة في الكياسة المصرية. وهي بقدر كبير على طرف نقيض من كياسة الإنجليز الباردة التي لا تصرح بالكثير؛ لذا وجدت نفسي أتنقل بين المجاملات المبالغ فيها، والدعوات غير المقصودة، وكرم الضيافة الهائل. لخصت لي كل ذلك مناقشة بين الكاهن وبائع ورد. وبعد مفاوضات مطولة حول السعر، أكد بائع الورد: «بالطبع، أودك أن تحصل عليها مجانا.» وردا على ذلك بفطنة تفوق ما يمكن أن أتمتع به يوما ما، أجاب الكاهن بمجاملة جاهزة بالقدر نفسه من عدم الصدق: «كما تعلم، لم آت إلى هنا إلا لأمتع نظري برؤيتك.»
كان الكاهن بالغ الكرم في مساعدتي لمعرفة أهم الخصائص المميزة للقاهرة، وكان مراوغا بلا هوادة عندما حاولت رد كرم ضيافته. في المرة الوحيدة التي جاء فيها إلى شقتي، شرب كوبا واحدا من الماء، وعندما حاولت إقناعه بالبقاء مدة أطول، قال: «لا: لقد شرفتك بما فيه الكفاية.» ومع ذلك، فإن لطف أصدقائي الأقباط معي لم ينضب أبدا. فقد كانت الكنيسة أكثر من مجرد كنيسة. وكان رعية الأبرشية يأخذون إجازاتهم معا، ويتحدث بعضهم مع بعض ساعات في الساحة، ويجتمعون بشكل متكرر خلال الأسبوع. وعلموني الرقص المصري ودعوني مرة للانضمام إليهم في الزيارات الخيرية لفقراء القاهرة، وهم أناس يعيشون في أكواخ مؤقتة على أسطح المباني السكنية العالية. كما كان أصدقائي الجدد يوبخونني بانتظام على تراخي المسيحية البريطانية. ولا عجب في ذلك. فالقبطي المتدين ينبغي أن يصلي سبع مرات في اليوم، ويتجنب شرب الكحوليات، ولا يدخن السجائر أبدا. ويصوم الأقباط ليس فقط أثناء الصوم الكبير ولكن أيضا في صوم الميلاد وفي أوقات أخرى من العام؛ 210 يوما في السنة إجمالا. ومع أنهم ملزمون بالتخلي عن اللحوم ومنتجات الألبان خلال هذه الأوقات (والأسماك أثناء الصوم الكبير)، فإن البعض يذهب إلى أبعد من ذلك بتناول الفاكهة فقط، أو الفول المطهي. والبعض لا يأكل أي شيء على الإطلاق من منتصف ليل وغروب شمس كل يوم من أيام الصوم الكبير. وهذا أكثر صعوبة من صيام المسلمين في رمضان. اعترتني رغبة في تكرار الحكم الذي أصدره هيرودوت، الذي ذهل قبل خمسة وعشرين قرنا عند زيارته لأحد المعابد المصرية العظيمة، الذي زادت ثرواته في وقت ما بسبب التبرعات، لدرجة أنه امتلك ثلث أراضي البلاد الخصبة: «المصريون متدينون بإفراط أكثر من أي دولة أخرى في العالم.» (في استطلاعات الرأي الأخيرة، اتفق المصريون مع هيرودوت؛ فهم يعتقدون أنهم أكثر الشعوب تدينا في العالم.)
अज्ञात पृष्ठ