विरासती ममालिक़ मान्सिय्या: धर्म जो पश्चिमी एशिया में पतनोन्मुख हैं
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
शैलियों
كان يوجد مكان واحد كنت واثقا من أنني سأعثر على الزرادشتيين فيه: وهو يزد، حيث ولدت لال. امتد الطريق إلى هناك مسافة مائة ميل عبر الصحراء، متجاوزا جبالا صخرية محززة وحقولا رملية وترابية، حتى وصل إلى واحة يزد. استقبلتني عند وصولي واجهة ضخمة مكسوة بالقرميد بها فتحات بأسقف مقوسة ومدببة، تسمى التكية، ارتفاعها عدة طوابق؛ وكانت مزينة بخزف إيراني باللونين الأزرق الفاتح والأبيض المائل للصفرة، وبجانبها عجلة من الخوص تسمى «النخل». كان كل منهما يستخدم في مسرحية الآلام الشيعية السنوية التي تحيي ذكرى وفاة الحسين بن علي، الذي كان في نظر الشيعة الإمام الثالث، والذي سقط في معركة مع خصومه من المسلمين السنة.
جاء براون إلى يزد ووصف سعادته قائلا: «نجحت أخيرا في عزل نفسي ليس فقط عن أبناء وطني، ولكن عن إخواني في الدين»، وكان يعتقد خطأ أنه زرادشتي. وذكر أن طائفة الزرادشتيين كانت «أقل عرضة للمضايقات الآن مما كان عليه في الأوقات السابقة»، على الرغم من أنهم «يواجهون في كثير من الأحيان سوء معاملة وإهانة على أيدي [المسلمين] الأكثر تعصبا، الذين يعتبرونهم وثنيين.» وأضاف أنه عندما يشغل حاكم فاسد مركز سلطة، أو عندما لا يوجد أحد مسئول على الإطلاق، فإن معاملتهم تزداد سوءا.
كان براون يقابل الزرادشتيين في وقت كانت فيه حظوظهم تتحسن. وعلى الرغم من التأثير المتغلغل لأفكارهم، فقد عوملوا بقسوة كبيرة خلال العصور الوسطى وما بعدها. كتب زائر إلى إيران سنة 1854، يدعى مانكجي ليمجي هاتريا، «وجدت الزرادشتيين مستنزفين ومقهورين، لدرجة أنه لا أحد في هذا العالم يمكن أن يكون أكثر بؤسا منهم.» كانت الطائفة حينئذ تخضع لضريبة «جزية» خاصة، مفروضة على غير المسلمين كلهم. كما حرم الزرادشتيون من حق الشهادة على مسلم أمام قاض، مما جعلهم في وضع غير موات على الإطلاق في النزاعات على الأرض أو التجارة. بالإضافة إلى ذلك، كانوا يترنحون من آثار ما أطلق عليه «آخر تحويل قسري جماعي للزرادشتيين إلى الإسلام»؛ وهي واقعة شهدت هجوما لغوغاء على قرية في خمسينيات القرن التاسع عشر وتهديد سكانها بالموت إذا لم يبدلوا دينهم. كان هاتريا من عائلة من البارسيين، أحفاد اللاجئين الزرادشتيين الذين كانوا قد غادروا إيران قبل ألف عام إلى كجرات في شمال الهند. وكان الجالية البارسية في الأصل تلجأ إلى إيران للحصول على الإرشاد الديني، لكنها كانت قد أصبحت أكبر وأغنى على مر القرون، ولم يكن هاتريا هناك لتلقي المساعدة ولكن لتقديمها. فقد أرسل هو ورفاقه البارسيين الأموال إلى الزرادشتيين الأفقر في إيران، وأسسوا مدارس حديثة، وساعدوا في إقناع الحكومة الإيرانية بإلغاء «الجزية» سنة 1882.
وسرعان ما تبع ذلك المزيد من التحسينات في وضع الزرادشتيين بيزد، وبعد عام 1906، عندما أجبرت ثورة دستورية النظام الملكي على قبول مجموعة من تدابير إزالة القيود المفروضة، بما في ذلك إنشاء برلمان، انتخب أحد الزرادشتيين في الهيئة الجديدة. واستعاد النظام الملكي قوته بعد ذلك بمدة وجيزة، لكن في النهاية حلت محله ديكتاتورية رضا خان، الذي لقب بالشاه وكانت كنيته بهلوي. وعلى الرغم من هذه التغييرات السياسية، استمرت أحوال الطائفة في الازدهار على مدار السبعين عاما التالية. وانضم الزرادشتيون للحكومة، حتى إن واحدا منهم، وهو فرهنج مهر، ارتقى في المناصب حتى أصبح نائبا لرئيس الوزراء. كانوا ناجحين بخاصة في الأعمال التجارية. ونتيجة لذلك، تناقصت أعداد من يسلكون درب الكهنوت، وهي مهنة أجرها زهيد وتتضمن قضاء الكثير من الوقت في تعلم نصوص مكتوبة باللغة الأفستية القديمة (لغة قديمة قد تستغرق وحدها سنوات لتعلمها). طلب والد لال - الكاهن الذي كان يقف على سطح منزله لدراسة النجوم - من إخوتها أن يصبحوا أطباء، وليس كهنة، إذا أرادوا الهرب من حياة الفقر. ومن الواضح أن الزرادشتيين الآخرين خالجهم الشعور نفسه. ففي ثلاثينيات القرن الماضي كان في يزد مائتا كاهن، وبحلول سنة 1964، كانوا أقل من عشرة.
لم يكن والد لال كاهنا فحسب - حيث كان يتحصل على دخل ضئيل بوصفه واعظا متجولا وتاجرا صغيرا - لكنه كان أيضا شاعرا ومفكرا متحمسا للأفكار الجديدة التي كانت تنتشر في ذلك الوقت في إيران. وعندما منع رضا شاه ارتداء الحجاب في إيران في ثلاثينيات القرن الماضي، أرادت والدة لال منعها من الذهاب إلى المدرسة؛ لأنها، على الرغم من أنها لم تكن مسلمة، كانت لديها أفكارها الصارمة حول ما ينبغي أن تلبسه الفتيات في الأماكن العامة. وكان والد لال هو من أصر على ضرورة عودتها إلى المدرسة مرة أخرى. وعندما اختارت لال أن تكون قابلة، وهي مهنة تتضمن الاتصال الدائم بالدم البشري - وهو من المحرمات في ديانة تضفي قيمة كبيرة على طقوس النظافة - دعمها، كما فعل عندما اختارت زوجها شهريار بعد أن تعرفت عليه عن طريق شقيقها.
كان توددا تقليديا؛ ففي أول لقاء لها مع زوجها المستقبلي، كانت برفقة والدتها وأختها ولم تنظر إلى وجهه. اضطرت أن تسأل أختها عن شكله. في النهاية، اختلست نظرة سريعة عليه عندما كانا جالسين معا في موعدهما الثالث، في السينما، عندما كانت تأمل أنه يركز على الفيلم ولن يلاحظ نظرتها الخاطفة. أعجبها ما رأت ووافقت على الزواج منه. في ذلك الوقت، انتقلت العائلة إلى طهران، ولكن بعد زواج لال وشهريار، عادا من حين لآخر إلى يزد، لزيارة منزل صغير كانا يملكانه في الجبال؛ أجرا أراضيه للمزارعين المحليين مقابل أن يزودوهما سنويا باللوز والفاكهة. كان انتقالهما إلى طهران توجها تبعه العديد من الزرادشتيين عندما حرر شاها البهلوي المجتمع الإيراني. ولم يعد شقيق لال مضطرا إلى سماع صياح الآخرين بكلمة «جبر»؛ حيث أصبح طبيبا في القوات الجوية الإيرانية. وكان شهريار ضابطا في الجيش، وتقلد لاحقا وسام البسالة. ولأول مرة منذ نهاوند، كان بوسع الزرادشتيين أن يقاتلوا من أجل إيران.
لم أر كاهنا على سطح أي منزل يزدي سنة 2006. في البداية بذلت جهدا جهيدا للعثور على أي أثر للزرادشتيين أيا كان. كانت ملصقات النعي على أعمدة الإنارة في كل شارع معنون بالعبارة الإسلامية العربية «بسم الله» فوق صور المتوفين حديثا. لكنني وجدت على ناصية شارع إشعارا بعنوان مختلف. كان نصه بالفارسية، «با نام أهورا مزدا» أي: «بسم أهورا مزدا». تحته كان رمز الرجل-الطائر، رجل بقلنسوة فارسية وأجنحة إلى يساره، ويمينه، وتحته. كنت قد رأيت الرمز ذاته في برسبوليس. أخيرا عثرت هنا على الزرادشتيين. كان أحد متاجر البقالة على هذا الطريق مزينا بالصور. مثلما يضع مسيحيو الشرق الأوسط صورا ملصقة للقديس جورج أو مريم العذراء على حوائطهم، ويعرض المسلمون صورا للحرم المكي أو ضريح الحسين (في إيران)، كانت هذه الصور لزرادشت وفارافاهار. وقد لصقت على زجاج النضد، وصندوق النقد، وجدران المتجر. في نهاية الطريق كان يوجد أيضا متجر لبيع الهدايا التذكارية الزرادشتية. فكرت مليا في شراء ساعة مكتوب عليها بالفارسية الشعار الزرادشتي «الفكر الجيد، الكلمة الطيبة، العمل الصالح».
في الجهة المقابلة للمتجر، بعيدا عن الطريق خلف حديقة صغيرة، كان يوجد معبد نار. سمح لي بالدخول، إلى غرفة نظيفة صغيرة، وخلف نافذة زجاجية، رأيت شعلة صغيرة متوهجة. وكانت صورة لزرادشت معلقة على حائط الغرفة، وبجانبها مقتطفات مختلفة من الكتب الزرادشتية المقدسة؛ لتذكير الزائر بأن الزرادشتيين أيضا لديهم كتاب مقدس، يعد عادة، إلى جانب الإيمان بإله واحد، شرطا أساسيا للتسامح في ظل الإسلام. فالقرآن يثني على «أهل الكتاب»، وفي إيران يعد الزرادشتيون من بينهم. لكن النظام يهزأ بهم بسبب تبجيلهم للنيران المقدسة في معابد النار خاصتهم، زاعما أنهم «يعبدون النار». وهذا شيء ينكره الزرادشتيون قائلين إنهم لا يعتبرون النار إلها، وإنما يعبدون الله بواسطة النار. سألت القيم على المعبد عن عدد العائلات الزرادشتية التي بقيت في يزد. فقال إنه قليل جدا. فالحياة صعبة؛ الاقتصاد سيئ والحكومة عدائية. علمت لاحقا أن عدد الزرادشتيين في البلد بأكمله قد انخفض منذ الثورة من ثلاثة وثلاثين ألفا إلى عشرة آلاف (هذه تقديرات تقريبية، حيث لا توجد إحصائيات مؤكدة).
أتيشكاده، أو معبد النار، في يزد. صورة مأخوذة بواسطة المؤلف.
ربما كان من المناسب بعد زيارتي لمعبد النار، أن يكون موعدي التالي مع الموتى. فعلى الجانب الآخر من المدينة كانت أبراج مدمرة تعلو قمتي تل. أطلق عليها السياح اسم «أبراج الصمت»، وعرفها الزرادشتيون باسم «الدخمات». فيما مضى كان الطريق المؤدي إلى هذه التلال، الذي كان يتسابق عليه الشبان بسيارات للطرق الوعرة، طريق مواكب جنازات الزرادشتية. وكانت جثة المتوفى تبقى في منزل الأسرة مدة ثلاثة أيام، مع وجود كلب بالقرب منها لردع الأرواح الشريرة. ثم يحمل الجثمان على سرير حديدي، على يد رجال مدربين خصوصا لهذه المهمة، صعودا على هذا الطريق وصولا إلى «الدخمة». وهنا يخاطب حاملو النعش الميت: «لا تخف ولا ترتجف! هذا هو مكان أجدادك، وآبائنا وأمهاتنا، والطاهرين والصالحين، منذ آلاف السنين.»
अज्ञात पृष्ठ