رهانات كبيرة
كان الثلج يتساقط رويدا تحت النور الأبيض الساطع للمصباح الكهربائي عندما كان بوني رويل يزرر معطفه ويغادر فندق ميتروبوليتان، وكان ذلك الفندق هو منزله. كان بوني رويل شابا لا يتخطى عمره الثلاثين عاما، وكان وجهه ملفتا للنظر. كان حليقا مستدق الملامح. وقد يتراءى للناظر أنه يشبه وجه ممثل أو رجل من رجال الدولة. فوجه الممثل له قدرة معينة على إظهار التعابير والانفعالات نتيجة الشخصيات التي يؤديها الممثل عادة وتكون مختلفة اختلافا شاسعا. إنك حين تنظر إلى وجه رويل عن كثب، تجد أنه قد اعتاد على كبت التعابير والانفعالات لا على إظهار مشاعر أو انفعالات من أي نوع. وقد تجعلك نظرة عابرة على وجه بوني رويل تعتقد أن وجهه سيخبرك بشيء، ولكن إذا تفحصته بعناية فستجد أنه لن يخبرك بأي شيء. وكانت عيناه رماديتي اللون ذواتي نظرة حادة ثاقبة حتى إنهما تبدوان وكأن بمقدورهما قراءة أفكار الغير، فيما تخفيان أفكاره بفعالية. وكان من المعروف عن بوني رويل أنه رجل لا يخل بوعده. وكان مقامرا محترفا.
في ذلك المساء تحديدا، كان بوني رويل يسير في الشارع في أريحية رجل يحظى بوقت فراغ طويل وليس لديه ما يشغله. وقد تردد للحظة أمام ممر مضاء بإضاءة خافتة يقع في منتصف بناية كبيرة في شارع جانبي، ثم دخل الممر وصعد الدرج. وطرق طرقا خفيفا على أحد الأبواب. أزيح مزلاج بالباب ونظر إليه للحظة رجل من الداخل. ثم فتح الباب في الحال؛ ذلك أن وجه بوني كان معروفا لدى كل أندية المقامرة في المدينة. وكان لا يزال أمامه باب آخر يمر به وعليه حارس؛ ذلك أن أي مالك أصيل لأحد أندية القمار لا يمكن أن يعرف أبدا اللحظة التي قد تستعر فيها الأخلاق فجأة لدى الشرطة فتجعلها تجتاح المكان وتداهمه، ومن الأفضل أن يكون أمامه بعض الوقت ليخفي أدوات القمار وتجهيزاته. وكان نادي ميليش للقمار معروفا لدى الشرطة بقدر ما هو معروف لدى بوني رويل، لكن ميليش كان يعرف أنه لن يتعرض لإزعاج من قبل الشرطة ما لم يحدث العامة جلبة بشأنه.
كان ميليش رجلا حريصا، وكان لا بد من التحقق جيدا من هوية مرتادي نادي القمار الخاص به قبل أن يسمح لهم بالدخول. ولم تقع قط أي مشكلات في نادي ميليش للقمار. وكان من المعروف عنه أنه دائما ما ينصح المقامر الصغير بالتوقف عن اللعب حين يدرك أنه لن يتحمل الخسارة، ورويت بعض الأحداث التي كان فيها ميليش نفسه مقرضا لرجل تملكه اليأس. كان الجميع يحب ميليش؛ ذلك أن سخاءه لم يكن له حدود، وحديثه مقنع للغاية.
وداخل الغرفة التي دلف إليها بوني رويل، كانت هناك طاولة روليت تدور، ولعبة فارو تلعب في موضع آخر من الغرفة. وعلى طاولات صغيرة كان هناك عدد كبير من مرتادي المكان يستمتعون بلعب البوكر.
صاح بيرت راجستوك: «أهلا يا بوني. هل ستمنحني فرصة الثأر منك الليلة؟»
أجاب بوني في هدوء ورباطة جأش وهو يشعل سيجارة جديدة: «أنا على استعداد دوما لأن أعطي أي شخص فرصته في الثأر.» «حسن إذن، تعال واجلس هنا.» «لن ألعب الآن. أريد أن أنتظر بعض الوقت.» «دعك من ذلك. إنني أنتظرك منذ فترة طويلة بالفعل. اجلس.» «ينبغي أن تكون قد عرفت الآن يا بيرت أنني حين أقول شيئا فإنني أعنيه حقا. لن أمس أي ورقة حتى تدق الساعة الثانية عشرة. حينها سأكون معك.» «أف يا بوني، ينبغي أن تكون أسمى من هذا. تلك خرافات يا رويل. وأنت رجل على قدر كبير من الذكاء يجعلك لا تلقي بالا إلى ساعة حظ بعينها تلمس فيها ورق اللعب. هيا.» «لا بأس بكل هذا، لقد حدثت نفسي بذلك، وسألعب عند منتصف الليل وإلا فلن ألعب.»
أومأ المقامرون القدامى في المكان بالموافقة على هذا القرار. كان من الطبيعي لبيرت راجستوك أن يسخر من الخرافات؛ لأنه لم يكن مقامرا حقيقيا. وإنما كان يأتي إلى نادي ميليش للقمار في المساء لأن البورصة لم تكن تفتح أبوابها ليلا. ومن الغريب القول بأن راجستوك كان رجل أعمال جيدا ومقامرا ذكيا. وكان يتحسر على القدر الذي جعله ثريا بحيث لا يكون للمقامرة عليه تأثير مبهج كان من الممكن أن يشعر به لو كان يلعب وهو فقير.
حين دقت الساعة معلنة عن منتصف الليل أخذ بوني رويل مجموعة ورق اللعب وبدأ يخلطها.
وقال: «والآن أيها الرجل، إنني ألعب من أجل الفوز. أريد الفوز بمبلغ كبير الليلة.»
अज्ञात पृष्ठ