ثم لاحظت للمرة الأولى أن اسم سكريبنجز واضح داخل الجزء العلوي للقبعة، والتي كان الرجل يمسكها مقلوبة في يديه. «لا شك أنك قد سمعت بلغز بيجرام ...»
صاح المحقق: «صه! أرجوك، لا تصف ما حدث بأنه لغز. لا وجود للألغاز. ستكون الحياة أكثر قبولا لو أن هناك بها ما يسمى باللغز. لا شيء يحدث للمرة الأولى. كل شيء حدث من قبل. ماذا عن أمر بيجرام؟» «فلنسمها قضية إذن. لقد حيرت قضية بيجرام الجميع. إن صحيفة إيفننج بليد تريد منك أن تحقق في القضية، حتى يتسنى لها نشر نتائج تحقيقك. وستدفع لك الصحيفة مبلغا كبيرا. فهل تقبل بهذه المهمة؟» «ربما أفعل. أخبرني عن تلك القضية.» «كنت أعتقد أن الجميع يعرف بأمر تفاصيلها. كان السيد باري كيبسون يعيش في بيجرام، وكان يحمل معه تذكرة موسمية درجة أولى بين محطة بيجرام والمحطة الأخيرة في الخط. وكان من عادته أن يغادر إلى بيجرام في قطار الخامسة والنصف كل مساء. وقبل عدة أسابيع، أصيب السيد كيبسون بالإنفلونزا. وفي زيارته الأولى للمدينة بعد شفائه منها، سحب ما يقرب من 300 جنيه إسترليني وغادر المكتب في الوقت المعتاد ليلحق بقطار الخامسة والنصف. وعلى حد علم العامة، فإنه لم ير على قيد الحياة مرة أخرى. لقد عثر عليه في محطة بروستر في عربة الدرجة الأولى على متن قطار سكوتش إكسبريس، الذي لا يتوقف بين لندن وبروستر. كانت هناك رصاصة في رأسه وقد اختفى ماله، مما يشير بكل وضوح إلى وقوع جريمة قتل وسرقة.» «وهل لي أن أسأل، أين وجه الغموض في ذلك؟» «هناك العديد من الأمور المستعصية على التفسير بشأن هذه القضية. أولا: كيف صعد على متن القطار سكوتش إكسبريس، الذي يغادر في تمام الساعة السادسة ولا يتوقف في محطة بيجرام؟ ثانيا: كان مفتشو التذاكر في المحطة الأخيرة من الخط سيحولونه عن وجهته لو أنه أظهر لهم تذكرته الموسمية؛ وكل تذاكر قطار سكوتش إكسبريس التي بيعت يوم الحادي والعشرين قد أحصيت وقدم بيان بها. ثالثا: كيف تمكن القاتل من الهروب؟ رابعا: لم يسمع الركاب في كلتا العربتين اللتين تقع بينهما العربة التي عثر فيها على الجثة أي شجار أو أي صوت لإطلاق النار.» «هل أنت واثق أن قطار سكوتش إكسبريس في يوم الحادي والعشرين لم يتوقف بين لندن وبروستر؟» «الآن وقد سألت عن ذلك، فقد توقف بينهما فعلا. لقد توقف عند إحدى الإشارات خارج مدينة بيجرام تماما. وكان زمن وقوفه بضع لحظات حتى أبلغ بأن الخط أمامه خال، وقد أكمل القطار رحلته مرة أخرى. وهذا يحدث كثيرا؛ حيث إن هناك خطا فرعيا بعد مدينة بيجرام.»
راح السيد شيرلو كومبس يفكر بضع لحظات وهو يدخن غليونه في صمت. «أعتقد أنك تريد حل هذه القضية من أجل جريدة الغد، أليس كذلك؟» «لا، ليس كذلك بالطبع. يعتقد محرر الجريدة أنك إذا طورت نظرية في غضون شهر فلا بأس بذلك.» «سيدي العزيز، إنني لا أتعامل مع النظريات، وإنما مع الحقائق. إنك إذا عرجت علي في تمام الثامنة من صباح الغد، فسأمدك بكل التفاصيل في وقت مبكر بما يكفي لإدراك الطبعة الأولى. فلا معنى في إهدار وقت طويل على أمر بسيط كقضية بيجرام تلك. طاب مساؤك سيدي.»
كان السيد سكريبنجز مذهولا للغاية بحيث لم يستطع أن يرد التحية. وقد غادر واجما صامتا غير قادر على الحديث، ورأيته يتحرك في الشارع وقبعته لا تزال في يده.
عاد شيرلو كومبس إلى حالة استرخائه ويداه مشبكتان خلف رأسه. وراح الدخان يخرج من بين شفتيه في نفحات سريعة في البداية، ثم بعد ذلك على فترات أطول. أدركت أنه كان يتوصل في تلك اللحظة إلى استنتاج ما؛ ولذا فلم أقل شيئا.
ثم تحدث أخيرا بطريقته الشديدة الغموض: «لا أريد مطلقا أن أبدو وكأنني أستعجل الأمور يا واتسون، لكنني سأذهب الليلة على متن القطار سكوتش إكسبريس. فهل تريد مرافقتي؟»
صحت قائلا وأنا أنظر إلى الساعة: «يا إلهي! ليس أمامك وقت، لقد تخطت الساعة الخامسة الآن بالفعل.»
فغمغم من دون أن يغير من وضعيته: «متسع من الوقت يا واتسون، متسع! سأعطي نفسي دقيقة ونصفا لأغير نعلي وثوب النوم وأرتدي حذاء طويلا ومعطفا، وثلاث ثوان لأرتدي القبعة، وخمسا وعشرين ثانية لأخرج إلى الشارع ، واثنتين وأربعين ثانية في انتظار العربة، ثم سبع دقائق في المحطة قبل أن ينطلق القطار. سأكون مسرورا كثيرا لو رافقتني.»
كنت سعيدا للغاية لحصولي على شرف مرافقته. كان من المثير للاهتمام كثيرا رؤية عقل فذ كهذا وهو يعمل. وبينما كنا نسير بالعربة تحت السقف الحديدي المرتفع للمحطة، لاحظت تعابير الانزعاج على وجهه.
علق قائلا وهو ينظر إلى الساعة الكبيرة: «جئنا قبل موعدنا بخمس عشرة ثانية. لا أحب أن أقع في خطأ حسابي كهذا.»
अज्ञात पृष्ठ