وفي اليوم التالي بحثت عنه، وكنت أتساءل عن الهيئة التي سأجده عليها. مررت به مرتين بينما كان يجلس على المقعد ، لكنني لم أكن متأكدا بما يكفي لأن أدنو منه وأبادره الحديث. كان اختفاء شاربه قد أحدث اختلافا ملحوظا. وقد بدا أصغر عشر سنوات على الأقل بوجهه الحليق تماما. وكان يرتدي قبعة حريرية طويلة، ومعطفا صباحيا طويلا أسود اللون. ولم يسعني أن أحول ناظري عن الغطاء الذي وضعه على كل كاحل من قدميه والذي كان يغطي حذاءه اللامع على نحو جزئي. كان يقرأ جريدة إنجليزية؛ ومن ثم لم يلحظ تحديقي إليه. فدنوت منه.
وقلت: «اسمع يا جونسون، هذه هيئة رائعة. أظنك إنجليزيا هذه المرة، أليس كذلك؟»
رفع الرجل نظره في اندهاش واضح. ثم راح يتحسس الجزء الأمامي من معطفه لبرهة، فوجد خيطا حريريا أسود اللون، فسحبه وأمسك في يده قرصا زجاجيا صغيرا. فوضع ذلك القرص الزجاجي على إحدى عينيه ولوى قسمات وجهه بعض الشيء لكي يتمكن من تثبيته. وتلاشى يقيني بأنه جونسون للحظة، لكنني تجرأت وواجهته. «وتلك النظارة الأحادية لفتة غير مسبوقة يا جونسون. إنها تدهشني حقا، بالإضافة إلى أغطية الكاحل تلك. وإذا كنت استخدمتها في شخصية بومجارتن، فلا أدري هل كنت سأتعرف عليك وقتها. جونسون، ما قصتك؟»
فقال في النهاية: «يبدو أنك تعاني ضربا من الذهان. اسمي ليس جونسون. أنا اللورد سومرسيت كامبل، إن كان يهمك أن تعرف.» «أحقا؟ أوه، حسنا إذن، لا بأس. أنا دوق أرجيل؛ ولذا لا بد أننا أقارب. الدم لا يصير ماء أبدا يا كامبل. اعترف. من قتلت؟»
قال سعادته بترو: «علمت أن أكبر مصحة للأمراض العقلية في تيرول قريبة من هنا، لكنني لم أكن أعلم أنهم يسمحون للمرضى أن يتجولوا في متنزه كوربارك.» «لا بأس يا جونسون. لكن ...» «كامبل، إذا سمحت.» «لا أسمح. لقد تماديت في لعبة التنكر هذه بما يكفي. ما الجريمة التي ارتكبتها؟ أم أنك مع الفريق الآخر؟ هل تعمل كمحقق؟» «يا عزيزي، أنا لا أعرفك، وفضولك الصلف هذا يثير استيائي. يوما طيبا ولتذهب إذن.» «لن أذهب يا جونسون، لقد زاد الأمر عن حده. لقد تلاعبت بمشاعري، ولن أحتمل المزيد. سأذهب إلى السلطات وأقص عليها ملابسات ما حدث. وهي مفعمة بالشك بما يكفي لأن ...»
سأل جونسون وهو يجلس مرة أخرى: «أيهما؟ السلطات أم الملابسات؟» «كلاهما يا عزيزي، كلاهما وأنت تعلم ذلك. والآن يا جونسون، أرح فضولي ولن أشي بك.»
تنهد جونسون وسقطت النظارة عن عينه. ثم نظر حوله في حذر وقال: «اجلس.»
فصحت في شيء من التهلل والغبطة: «إذن أنت جونسون.»
بدأ جونسون يقول: «ظننت أنك لست موقنا من ذلك. لكن الأمر لا يهم الآن، وينبغي لك أن تربأ بنفسك عن استخدام التهديد. كان هذا أسلوبا وضيعا منك.» «أرى أنك من شيكاغو. أكمل.» «إن الأمر كله بسبب ضريبة الزائر اللعينة. إنني لا أريد دفع هذه الضريبة. ومن ثم، أمكث في أي فندق أقل من أسبوع، ثم أستقل حافلة إلى المحطة، وحافلة أخرى إلى فندق آخر. وبالطبع، كان الخطأ الذي ارتكبته هو التعرف إليك. لكنني لم أعتقد قط أنك ستمكث هنا شهرا.» «لكن لماذا لم تخبرني بذلك؟ إنني أتعاطف كثيرا مع ما ارتكبت من مخالفة. ولم أكن لأبوح بأي شيء.»
هز جونسون رأسه. «لقد وثقت بأحدهم ذات مرة. وقد أسر بما أخبرته به إلى صديق له، وظن صديقه أنها نكتة طريفة، فقصها، وكانت القصة تتناقلها الألسن مشفوعة بهذا القسم في كل مرة. فألقت السلطات القبض علي قبل أن ينتهي الأسبوع، وفرضوا علي غرامة باهظة، بالإضافة إلى تحصيل الضريبة.» «لكن ألا تتساوى أجرة الحافلة وتكلفة تغيير الملابس وكل ذلك من أمور مع قيمة الضريبة المفروضة؟» «أعتقد أنها كذلك. وأنا لا أعترض على دفع المال، إنما أعترض على المبدأ نفسه.»
अज्ञात पृष्ठ