मसीह का दूसरा चेहरा
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
शैलियों
وقد شبه يسوع شريعة القلب والمحبة بالخمرة الجديدة التي لا تقبل الاحتواء في زقاق قديمة (جمع زق وهو وعاء جلدي لحفظ الخمر) هي قوالب شريعة الحرف. فقد سأله بعض الناس: «لماذا يصوم تلاميذ يوحنا (المعمدان) وتلاميذ الفريسيين، ولا يصوم تلاميذك؟ فقال لهم: أيستطيع أهل العرس أن يصوموا والعريس بينهم؟ فما دام العريس بينهم لا يستطيعون أن يصوموا، ولكن سيأتي زمن يرتفع العريس من بينهم، ففي ذلك اليوم يصومون، ما من أحد يرقع ثوبا قديما برقعة من نسيج جديد، مخافة أن تنتزع الرقعة الجديدة شيئا من الثوب القديم، فيتسع الخرق، وما من أحد يجعل الخمرة الجديدة في زقاق قديمة لئلا تشق الخمر الزقاق، فتتلف الخمر والزقاق معا، ولكن للخمرة الجديدة زقاق جديدة» (مرقس 2: 18-22).
وهو يلغي طقوس الذبائح والمحارق اليهودية التي كانت تقام بشكل رئيسي في هيكل أورشليم، فالرحمة عنده تحل محل الذبيحة: «قال الفريسيون لتلاميذه: لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخاطئين؟ فسمع يسوع كلامهم فقال: ليس الأصحاء بمحتاجين إلى طبيب، بل المرضى. فهل عرفتم معنى هذه الآية: إنما أريد الرحمة لا الذبيحة، ما جئت لأدعو الأبرار بل الخاطئين» (متى 9: 11-13). وشريعة المحبة تتفوق عنده على شريعة الطقوس والذبائح، فقد سأله واحد من الفريسيين ليحرجه: يا معلم، ما هي أكبر وصية في الشريعة؟ فقال له: أحبب الله ربك بجميع قلبك وجميع نفسك وجميع ذهنك، تلك هي الوصية الكبرى والأولى، والثانية مثلها، أحبب قريبك حبك لنفسك، بهاتين الوصيتين يرتبط كلام الشريعة والأنبياء» (متى 22: 34-40)، ويضيف مرقس في روايته لهذه الحادثة قول السائل: «لقد أصبت يا معلم إذ قلت إنه الله الأحد وليس من دونه آخر، وأن يحبه الإنسان بجميع قلبه وجميع ذهنه وقدرته، وأن يحب قريبه حبه لنفسه أفضل من كل محرقة وذبيحة، فلما رأى يسوع أنه أجاب بفطنة قال له: لست بعيدا عن ملكوت الله» (مرقس 12: 32-33)، وفي قول شهير آخر يحل يسوع الأخلاق محل الشريعة جملة وتفصيلا: «افعلوا للناس ما أردتم أن يفعله الناس لكم، هذه هي خلاصة الشريعة وكلام الأنبياء» (متى 7: 12).
لقد تجاوز يسوع موسى والأنبياء وتخطى الشريعة والطقوس، ولم يعد للهيكل مبرر وجود، ففي جداله حول حرمة السبت مع الفريسيين قال لهم: «أوما قرأتم في الشريعة أن الكهنة يستبيحون حرمة السبت في الهيكل ولا حرج عليهم؟ فأقول لكم: ها هنا أعظم من الهيكل (يشير إلى نفسه) ولو فهمتم معنى هذه الآية: إنما أريد الرحمة لا الذبيحة، لما حكمتم على من لا حرج عليه، فابن الإنسان (يعني نفسه) سيد السبت» (متى 12: 5-8)، «ولما خرج من الهيكل قال له أحد تلاميذه: يا معلم انظر يا لها من حجارة، ويا لها من أبنية! فقال له يسوع: أترى هذه الأبنية العظيمة؟ لن يبقى فيها حجر على حجر، بل ينقض كله» (مرقس 13: 1-2)، وفي موعظة الجبل الشهيرة في إنجيل متى يناقض يسوع شريعة موسى في عدد من أهم فقراتها، مستخدما صيغة: «سمعتم أنه قيل للأولين ... كذا، أما أنا فأقول ... كذا» وبذلك يضع يسوع سلطة أقواله فوق سلطة بنود الشريعة القديمة، قال يسوع: «سمعتم أنه قيل للأولين: لا تقتل فإن من يقتل يستوجب القضاء، أما أنا فأقول لكم من غضب على أخيه باطلا يستوجب القضاء، ومن قال لأخيه يا أحمق استوجب حكم المجالس ...» «سمعتم أنه قيل: لا تزن، أما أنا فأقول لكم: من نظر إلى امرأة فاشتهاها زنى بها قلبه ...» «سمعتم أنه قيل للأولين: لا تخنث، بل أوف للرب إيمانك، أما أنا فأقول لكم: لا تحلفوا البتة لا بالسماء فهي عرش الله، ولا بالأرض فهي موطئ قدميه ...» «سمعتم أنه قيل: العين بالعين والسن بالسن، أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشرير، من لطمك على خدك الأيمن فأدر له الآخر ...» «سمعتم أنه قيل: أحبب قريبك وابغض عدوك، أما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، وادعوا لمضطهديكم، فتكونوا بني أبيكم الذي في السموات؛ لأنه يطلع شمسه على الأشرار والأخيار، وينزل غيثه على الأبرار والفجار» (متى 5: 21-45).
فأي شيء، بعد هذا، بقي من شريعة العهد القديم، التي وضعت المداخلة اليهودية على لسان يسوع قوله فيها: لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس والأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل؟ (4) عالمية رسالة يسوع «الخراف الضالة من بيت إسرائيل»
في مداخلة يهودية أخرى لمتى يضع على لسان يسوع قوله إن رسالته محصورة ببني إسرائيل، ثم يصف الكنعانيين بالكلاب الذين لا يستحقون بركته الشافية، «ثم خرج يسوع من هناك وذهب إلى نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك البلاد تصيح: رحماك سيدي يا ابن داود، إن ابنتي يتخبطها الشيطان تخبطا شديدا، فلم يجبها بكلمة، فدنا منه تلاميذه يتوسلون إليه فقالوا: أجب طلبها واصرفها، فإنها تتبعنا بصياحها. فأجاب: لم أرسل إلا إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل، ولكنها وصلت إليه فسجدت له وقالت: أغثني سيدي. فأجابها: لا يحسن أن يؤخذ خبز البنين فيلقى إلى جراء الكلاب. فقالت: رحماك يا سيدي، حتى الكلاب تأكل من الفتات الذي يتساقط عن موائد أصحابها. فأجابها يسوع: ما أعظم إيمانك أيتها المرأة، فليكن لك ما تريدين. فشفيت ابنتها من ساعتها» (متى 15: 21-28). وفي مداخلة ثالثة لمتى، نجد يسوع يرسل تلاميذه للتبشير بين الخراف الضالة من بيت إسرائيل، ويحذرهم من الاقتراب من الوثنيين والسامريين: «ودعا تلاميذه الاثني عشر، فأولاهم سلطانا يطردون به الأرواح النجسة ويشفون الناس من كل مرض وعلة ... وقال لهم: لا تسلكوا طريقا إلى الوثنيين، ولا تدخلوا مدينة للسامريين، بل اذهبوا نحو الخراف الضالة من بيت إسرائيل» (متى 10: 1-6) (راجع أيضا مرقس 7: 24-30).
فإلى أي حد تتوافق هذه الأقوال والمواقف الشوفينية المنسوبة إلى يسوع مع بقية أقواله ومواقفه في الأناجيل الأربعة، والتي أعلن يسوع من خلالها عن عالمية رسالته وشمولها للإنسانية جمعاء؟
في الحقيقة، إن الأناجيل تمتلئ بالإشارات إلى الجموع الوثنية العديدة التي كانت تتبع يسوع وتستمع إلى رسالته، من ذلك ما ورد في إنجيل مرقس: «فانصرف يسوع إلى البحر يصحبه تلاميذه، وتبعه جمع كبير من الجليل و... وعبر الأردن ونواحي صور وصيدا» (3: 7-8)، أي إن من وصفهم يسوع بالكلاب من سكان صيدا وفق مداخلة متى، كانوا في عداد من تبعه، وكذلك سكان عبر الأردن، حيث توزعت معظم المدن العشر اليونانية الوثنية، فقد طلب يسوع من ممسوس شفاه أن يذهب إلى هذه المدن الوثنية ويبشر بين أهلها: «وبينما هو يركب السفينة سأله الذي كان ممسوسا أن يصحبه، فلم يأذن له، بل قال له: اذهب إلى بيتك وحدث ذويك بما آتاك الرب من رحمته، فمضى وأخذ ينادي في المدن العشر بما آتاه يسوع» (5: 17-18). وفي إنجيل لوقا نجد يسوع يشفي أناسا كثيرين من ساحل صور وصيدا: «ثم نزل بهم فوقف في مكان منبسط، وهناك جماعة كبيرة من تلاميذه، وحشد كبير من الشعب من جميع اليهودية وأورشليم وساحل صور وصيدا، فقد جاءوا ليسمعوه ويبرءوا من أمراضهم، وكان الجمع كله يحاول أن يلمسه، فقد كانت تخرج منه قوة تبرئهم جميعا» (لوقا 6: 17-19).
وعندما جاء يسوع إلى أورشليم للمرة الأولى ودخل الهيكل أعلنه بيتا لإله جميع الأمم لا لإله اليهود: «ثم وصلوا إلى أورشليم فدخل الهيكل وأخذ يطرد الذين يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب مناضد الصيارفة ومقاعد باعة الحمام، وأخذ يعلمهم فيقول: ألم يكتب بيتي لجميع الأمم بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص» (مرقس 11: 15-17).
وفي مقابل توجيه يسوع لتلاميذه بألا يسلكوا طريقا إلى الوثنيين، ولا يدخلوا بيتا للسامريين، مما ورد في مداخلة متى اليهودية، نجد أن متى نفسه قد أنهى إنجيله بما يناقض ذلك، عندما قال يسوع لتلاميذه وهو يودعهم: «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به، وها أنا ذا معكم طوال الأيام إلى انقضاء الدهر» (متى 28: 19-20)، وورد عند متى في موضع آخر: «الحق أقول لكم، حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضا بما فعلته هذه المرأة تذكارا لها» (متى 26: 13). ويكرر مرقس القول نفسه في الإصحاح 14: 9. وورد عند مرقس أيضا: «وينبغي أن يكرز أولا بالإنجيل في جميع الأمم» (مرقس 13: 10)، وورد عند متى: «هو ذا فتاي الذي اخترته حبيبي الذي عنه رضيت، سأفيض روحي عليه فيبشر الأمم بالحق ... وعلى اسمه تتوكل الأمم» (متى 12: 18-21).
ويسوع نفسه قد مر بالسامرة وبشر فيها، مناقضا بذلك ما نسب إليه متى، وقصة وقوفه عند بئر يعقوب قرب مدينة سامرية تدعى سيخارة، وحواره مع امرأة سامرية، هي من القصص المشهورة في العهد الجديد، وقد انتهت بإيمان المرأة وإيمان عدد كبير من السامريين: «فآمن به عدد كبير من سامريي تلك المدينة، بدافع من كلام المرأة ... فلما جاءه السامريون سألوه أن يقيم بينهم، فأقام يومين، فآمن عند سماع كلامه عدد يفوق بكثرته عدد الأولين، وقالوا للمرأة: لا نؤمن تبعا لكلامك؛ بل لأننا سمعناه نحن وعلمنا أنه مخلص العالم» (يوحنا 4: 39-42).
अज्ञात पृष्ठ