मसीह का दूसरा चेहरा
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
शैलियों
فيسوع هو المسيح الذي يأتي من نسل داود، وفق النبوءات التوراتية، ليختتم التاريخ ويفتتح الزمان المقدس، أو ملكوت الله، يتقدمه النبي إيليا في صورة يوحنا المعمدان، وفق النبوءة التوراتية الواردة في سفر ملاخي 4: 5-6: «ها أنا ذا أرسل إليكم إيليا النبي، قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم.» ولهذا أجاب يسوع رسل يوحنا الذين بعثهم من سجنه ليسألوه: أأنت الآتي، أم ننتظر الآخر؟ وقال لهم: «اذهبوا وأخبروا يوحنا بما تسمعون وترون، إن العمي يبصرون والكسحان يمشون، والبرص يبرءون، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والفقراء يبشرون، وطوبى لمن لا يشك في» (متى 11: 2-5)، وهذه كلها من علامات ظهور المسيح في اليوم الأخير الذي يفتتح ملكوت الرب في التصورات التوراتية (راجع إشعيا 26: 19 و29: 8 و35: 5)، ولما انصرف الرسل، أخذ يسوع يقول للجموع بشأن يوحنا: «ماذا خرجتم إلى البرية تنظرون؟ أقصبة تهزها الريح؟ بل ماذا خرجتم ترون؟ أرجلا يلبس الثياب الناعمة؟ بل ماذا خرجتم؟ ألكي تروا نبيا أقول لكم أجل، بل أكرم من نبي، فهذا الذي كتب في خبره: ها أنا ذا أرسل رسولي قدامك ليعد الطريق أمامك، الحق أقول لكم لم يظهر في أولاد النساء أكبر من يوحنا المعمدان، ولكن أصغر الذين في ملكوت السموات أكبر منه ... فإذا شئتم أن تصدقوني، فاعلموا أنه إيليا الذي ينتظر رجوعه، من كان له أذنان فليسمع.»
يتخذ مفهوم مملكة الله، أو مملكة السموات، مكانة مركزية في تعاليم يسوع الإزائي، ولا أدل على ذلك من ورود هذا التعبير نحو ثمانين مرة في الأناجيل الثلاثة، بينما لم يرد إلا مرة واحدة فقط في إنجيل يوحنا، كما تشغل المطاليب الأخلاقية والسلوكية لدخول مملكة الرب الجزء الأكبر من تعاليم يسوع، فرسالة يسوع الإزائي هي رسالة أخروية بالدرجة الأولى، وترتكز على فكرة نهاية الزمن والتاريخ، وحلول اليوم الذي فيه ينتزع الله العالم من الشيطان، الذي كان حتى كرازة يسوع سيدا على الأرض، ولكن يسوع قدم منذ البدء مفهومه الخاص عن ملكوت الله، وميزه بحدة عن المفهوم السائد لدى يهود عصره، الذين كانوا ينتظرون مسيحا سياسيا، يعيد مجد إسرائيل ويخضع جميع الأمم تحت قدميها، ثم يسلم الحكم إلى يهوه، فملكوت يسوع هو ملكوت روحاني، وكان متحفظا تجاه لقب المسيح، وفضل عليه لقب ابن الإنسان لما للقب المسيح من تداعيات سياسية، كما أنه تحفظ تجاه لقب الملك ولم يقبله إلا باعتبار ما سيأتي من صعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب.
وعلى عكس ملكوت الرب اليهودي، فإن ملكوت السموات الذي بشر به يسوع يشمل جميع الأمم والشعوب، وهو يؤكد في أكثر من قول له عدم أهلية اليهود لدخول هذا الملكوت، رغم اعتقادهم بأنهم أصحابه الشرعيون، نقرأ في إنجيل متى 8: 12: «الحق أقول لكم، سوف يأتي أناس كثيرون من المشرق والمغرب، فيجالسون إبراهيم وإسحاق ويعقوب على المائدة في ملكوت السموات، وأما بنو الملكوت فيلقون في الظلمة البرانية، وهناك البكاء وصريف الأسنان.» ونقرأ في متى 21: 43: «لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله سينزع عنكم إلى أمة تجعله يخرج ثمره.»
لقد اكتملت سلسلة الأنبياء عند يوحنا المعمدان، كما اكتملت الأزمنة وظهر يسوع في مجيئه الأول ليبشر بالملكوت، ثم صلب ومات وقام في اليوم الثالث ليتمجد مسيحا كونيا يجلس عن يمين الآب، وأما في مجيئه الثاني فسيأتي إلها ديانا ينهي العالم القديم، ويقيم على أنقاضه عالما جديدا يرثه المؤمنون، نقرأ في إنجيل متى 16: 27-28: «سوف يأتي ابن الإنسان في مجد أبيه مع ملائكته فيجازي يومئذ كل امرئ على قدر أعماله، الحق أقول لكم، في جملة الحضور هنا من لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا ابن الإنسان آتيا في ملكوته.» ونقرأ في متى أيضا 24: 29: «وعلى أثر الشدة في تلك الأيام، تظلم الشمس ويفقد القمر ضوءه وتتساقط النجوم من السماء، وتتزعزع أجرام السموات، عندئذ تظهر في السماء آية ابن الإنسان، فتنتحب جميع قبائل الأرض، ويرى الناس ابن الإنسان آتيا على غمام السماء بقوة ومجد كثير، فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت، ليجمعوا مختاريه من جهات الرياح الأربع، من أطراف السموات إلى أطرافها الأخرى.»
إنجيل يوحنا
إنجيل يوحنا ظاهرة فريدة بين الأناجيل، وهو يشكل بحق جنسا قائما بذاته بين أسفار العهد الجديد، وإذا كانت الأناجيل الثلاثة الأولى تتبع نفس الخطوط العامة لسيرة يسوع وتعاليمه، فإن إنجيل يوحنا يمتلك رؤية خاصة به وبنية عامة ، وتحقيبا زمنيا، ونسيجا لاهوتيا، وأسلوبا في أقوال يسوع، لا يوازيها شيء في الأناجيل الإزائية، أما الرسالة المعوزة ليسوع فيه فجديدة، وغالبا ما تتناقض مع شهادات الإزائيين، إن القراءة النقدية للأناجيل الأربعة لا توصلنا إلى تسوية من أي نوع بينهما، فإذا كان يوحنا على حق، كان الإزائيون على خطأ، والفريقان لا يمكن أن يكونا صحيحين في الوقت نفسه، وفق أبسط قواعد المنطق، فالإزائيون، مثلا، يعينون سنة واحدة لحياة يسوع التبشيرية، بينما يعين يوحنا سنتين أو أكثر، وذلك بذكره لثلاثة أعياد فصح، والإزائيون يؤرخون حادثة الصلب في الخامس عشر من نيسان، في يوم الفصح بينما يؤرخ يوحنا الحادثة في الرابع عشر من نيسان، اليوم السابق للفصح.
يجمع معظم الباحثين في العهد الجديد على أن إنجيل يوحنا قد كتب بين عام 90 وعام 110م، ذلك أن الشذرات الأقدم التي وصلتنا منه يتراوح تاريخها بين 125 و150م، كما أن أقدم الإشارات إلى هذا الإنجيل في المصادر الخارجية ترجع إلى أواسط القرن الثاني الميلادي، وهذا ما يرجح أن الإنجيل قد كتب قبل هذه التواريخ، ومن ناحية أخرى فإن اللاهوت العالي التركيب للنص، يشير إلى فترة تالية لفترة تحرير الأناجيل الإزائية التي يرجح أنها كتبت خلال الفترة من عام 70 إلى عام 90م، ويرى بعض الباحثين أن ما يظهره إنجيل يوحنا من العداء السافر لليهود، يشير إلى الفترة التي طرد فيها المسيحيون من الكنيس اليهودي، أي خلال الفترة الانتقالية من القرن الأول إلى القرن الثاني الميلادي.
أما بخصوص مؤلف الإنجيل، فإن الباحثين في العهد الجديد ليسوا على هذه الدرجة من الاتفاق، فهل هو يوحنا التلميذ الذي كان يحبه يسوع أكثر من غيره، والذي اتكأ على صدره في مجلس العشاء الأخير؟ أم هو شخص آخر يحمل الاسم نفسه؟ أم إن المسألة ليست أكثر من إعطاء مصداقية للنص من خلال نسبه إلى يوحنا الحبيب؟ إن عنوان النص: الإنجيل بحسب يوحنا، لا يزيل هذا الالتباس، والنص لا يطابق بين كاتب الإنجيل ويوحنا الحبيب إلا في الفقرة الأخيرة من المشهد الختامي، والتي يمكن أن تكون مقحمة على السياق، حيث نقرأ: «وهذا التلميذ (أي الذي يحبه يسوع) هو الذي يشهد بهذه الأمور ويدونها، ونحن نعلم أن شهادته حق» (يوحنا 21: 24). يضاف إلى ذلك أن أخبار يوحنا الحبيب تنقطع في أسفار العهد الجديد، قبل وقت طويل من الفترة المفترضة لتدوين الإنجيل، فقد ورد ذكره لآخر مرة في أعمال الرسل، عندما ذهب مع بطرس إلى أهل السامرة ليبشر بينهم، كما أفاد بولس المتوفى سنة 67 أو 68م أن يوحنا كان أحد أعمدة كنيسة أورشليم مع يعقوب وبطرس (غلاطية 2: 9)، فهل عاش يوحنا أربعين سنة أخرى حتى كتب إنجيله؟ وهل كان في نحو المائة من عمره في وضع عقلي يساعده على التذكر وربط الأحداث، وإنجاز مثل هذا النص اللاهوتي المتماسك والعالي التركيب؟ ولماذا انتظر كل هذه السنين ليخرج علينا بإنجيله؟ وأخيرا، يرى البعض أنه من الصعب علينا أن نتصور أن كاتب الإنجيل الرابع، المتبحر في الفلسفة الهيلينستية، هو نفسه يوحنا بن زبدي، صياد السمك البسيط.
لقد ترسخ اعتقاد الكنيسة بنسبة الإنجيل الرابع إلى يوحنا الحبيب، بتأثير ما أورده إيرينايوس، أحد آباء الكنيسة الأوائل، والذي كتب في أواسط القرن الثاني الميلادي، أن يوحنا الرسول قد رحل إلى إفسوس بآسيا الصغرى، حيث عاش إلى سن متقدمة جدا، وأنجز إنجيله في أواخر حياته، ولكن لا يوجد بين أيدينا شاهد من أسفار العهد الجديد، يقيم صلة بين يوحنا الرسول ومدينة إفسوس، كما أن أغناطيوس الشهيد، أسقف أنطاكية الذي كتب نحو عام 110م رسالة إلى مسيحيي إفسوس، قد وصفهم بأنهم جماعة بولس (صاحب الرسالة إلى أهالي إفسوس)، ولم يذكرهم بأن يوحنا كان بين ظهرانيهم في ذلك الوقت، أو قبله بقليل.
انطلاقا من كل هذه المعطيات، فإن الرأي الغالب لدى الباحثين غير الكنسيين، هو أن مؤلف إنجيل يوحنا لم يكن شاهد عيان على حياة يسوع، ويتراوح الرأي في هويته من أنه كان يهوديا خوارجيا ذا خلفية صوفية مسطيقية، أو مثقفا يونانيا اعتنق المسيحية، إلا أن هذا، في رأينا، لا يقدم حجة على ضعف مصداقية ما أورده هذا الإنجيل من تعاليم يسوع، بل ربما يكون العكس هو الصحيح، ذلك أن ما يظهره إنجيل يوحنا من مواقف حاسمة ليسوع في رفض اليهود واليهودية، يدل على رسالة مسيحية صافية لم تنلها المداخلات اليهودية إلا في الحد الأدنى، وفي هذا يقول ألبير باييه، الباحث في سيسيولوجيا العهد الجديد: «إن إنجيل يوحنا في شكله الأول يسير على النهج الذي عرفناه في مؤلفات الغنوصي مرقيون، وبعد إدانة مرقيون وحرمانه من الكنيسة، أي بعد عام 144م، خضع الإنجيل لتنقيحات مهمة غرضها إسباغ حلة قويمة عليه.»
अज्ञात पृष्ठ