ليتك تراني وأنا أدخل إلى غرفتي شارد اللب فأزيح الستائر عن النوافذ، ثم أطفئ المصباح لأقف وجها إلى وجه مع ظلام بغداد، ويا رحمة الله من ظلام بغداد في لياليها الطوال.
ولكن ما الذي يدعوني إلى معانقة الظلام في بغداد؟
لا أعرف، ولكن يخيل إلي أن الظلام يؤنسني بعض الإيناس، لأنه يوهمني أني في فترة من الزمن تأنس فيها القلوب بالقلوب، وتسكن الأرواح إلى الأرواح، وربما كان الظلام في غرفتي فرصة طيبة أتبين فيها بصيص النور في منزل قريب أو بعيد فأتمثل أخيلة النجوى والعتاب، وأتوهم ضجيج المرح في ليالي الوصال. •••
أما بعد، فهذا غروب اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان، وهذا مكاني على المائدة في المطعم الذي تخيرته بشارع الرشيد، وهذه أطياف ترد على القلب، من أحباب القلب، أطياف من مصر الجديدة والزمالك، تلك البقاع التي لم تر فيها النجوم قلبا مثل قلبي، ولم تسدل ستائرها على هوى أعنف من هواي ... وليقل من شاء ما شاء.
وأسأل جاري على المائدة: هل ثبتت الرؤيا؟
فيجيب: سنعرف ذلك بعد ساعة أو ساعتين.
وأخرج فأتصفح الوجوه في شارع الرشيد بلا نفع ولا غناء.
ثم أميل على الشرطي أسأله: هل ثبتت الرؤيا؟
فيجيب: لم تثبت، ولكن المحكمة تنتظر برقية من النجف.
فأدمدم: برقية من النجف؟ وهل يسر من في النجف أن يفطر من في بغداد؟ إن كان الأمر لعلماء النجف فسيضيفون إلى الصوم يومين، ولولا أن يفضحهم الهلال لزادوا الصوم أسبوعين.
अज्ञात पृष्ठ