خلع كلود معطفه كما أمر، وظهر بملابس سوداء جديدة مصنوعة من قماش الجوخ. نظرت السيدة إرليش إلى ساقيه الطويلتين، وكتفيه الناعمتين، وأخيرا رأسه المربع ذي الشعر الأحمر، المائل باتجاهها بتودد. ثم ضحكت وصفقت. «ستلتف جميع الفتيات وهن في مقاعدهن كي ينظرن ويتساءلن من أين جئت به!»
بدأ كلود يضع متعلقاتها في جيبي معطفه؛ منظار الأوبرا في جيب، ومروحة يد في الجيب الآخر. وضعت نظارة الأوبرا في حقيبتها الصغيرة إلى جانب عبوة مسحوق تجميل ومنديل ونشادر، حتى إنها وضعت عبوة فضية صغيرة من قطرات النعناع الفلفلي تحسبا أن تصاب بالسعال. لبست قفازها الطويل وهندمت وشاح دانتيل على شعرها، وفي النهاية أصبحت جاهزة أن ترتدي معطف السهرة الذي كان يضعه كلود على كتفيها. عندما مدت يدها وأمسكت بذراعه وانحنت إلى أولادها، ضحكوا وأحبوا كلود أكثر. كانت طريقته المنظمة الحامية تمثل إطارا للصورة الصغيرة المبهجة التي كانت ترسمها.
أقيمت مأدبة العشاء في مساء اليوم التالي. ضيفة الشرف - السيدة فيلهلمينا شرودر شاتس - أصغر ببضعة أعوام من ابنة عمها أوجوستا إرليش. كانت قصيرة وقوية البنية وذات صدر ممتلئ وشعر جميل وحضور قوي. صوتها الأنثوي الرنان القوي الذي لا تتحفظ في استخدامه رائع حقا، ويمنح الناس متعة كبيرة لا تقل عن متعة الطعام والشراب. ولما أتى العشاء، جلست عن يمين الابن الأكبر. جلس كلود بجانب السيدة إرليش على الطرف الآخر من المائدة، وأخذ يراقب باهتمام السيدة التي تلبس ملابس مخملية خضراء، وأحجارا لامعة شبيهة بالماس.
بعد العشاء، وبينما كانت السيدة شرودر شاتس تخرج من غرفة الطعام، أفلتت ذراعها من ذراع ابن عمها وتوقفت أمام كلود الذي وقف منتبها خلف كرسيه.
قالت: «أرجو أن تسمح ابنة عمي أوجوستا لي بمحادثة قصيرة معك. كانت هناك مسافة كبيرة بيننا.»
أخذت كلود إلى مقعد بجانب النافذة في غرفة المعيشة، ومن فورها اشتكت من وجود تيار هواء، فأرسلته كي يأتي لها بوشاحها الأخضر. أحضر الوشاح ووضعه برفق حول كتفيها، ولكن بعد بضع لحظات أنزلته وعلى وجهها لمسة انزعاج وكأنها لم ترده مطلقا. ذكرها كلود بقلق بأمر تيار الهواء.
رفعت ذقنها وقالت: «تيار الهواء؟ لا يوجد تيار هواء هنا.»
سألت كلود عن المكان الذي أتى منه ومساحة الأرض التي يمتلكها والده، والمحاصيل التي يزرعونها، والطيور والماشية التي يربونها. في صغرها، عاشت في مزرعة في منطقة بافاريا، وبدا أنها كانت تعرف الكثير عن الزراعة والماشية. استنكرت لما أخبرها كلود أنهم يؤجرون نصف أرضهم لمزارعين آخرين. قالت: «لو كنت في شبابي لبدأت في امتلاك الأراضي وما توقفت حتى أمتلك مقاطعة كاملة.» قالت إنها عندما كانت تقابل أناسا جددا، فإنها تحب أن تعرف شيئا عن طرق عيشهم؛ فطريقتها في العيش صعبة.
في وقت لاحق من الأمسية، تكرمت السيدة شرودر شاتس ووافقت أن تغني لأبناء عمومتها. عندما جلست على البيانو أشارت إلى كلود وطلبت منه أن يلتفت إليها. هز رأسه وابتسم بحزن. «آسف، ولكني جاهل ولا أعرف النغمات الموسيقية بعضها من بعض.»
ربتت على كمه. «حسنا، لا تقلق. قد أرغب في تحريك البيانو؛ يمكنك أن تفعل ذلك من أجلي، أليس كذلك؟»
अज्ञात पृष्ठ