उम्र के ओएसिस: आत्मकथा: भाग एक
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
शैलियों
وعندما عدت إلى المنزل كلمني عمرو برادة في التليفون، وحكى لي أنه قابل رشاد رشدي في «وسط البلد» وتناول معه الشاي، ووعده بأنه يعينه في القسم، دون أن يذكر أحدا من الآخرين الحاصلين على جيد جدا، وكنا سبعة: سلمى محمد غانم (التي هاجرت إلى كندا)، وعفاف مصطفى المنوفي (الأستاذة حاليا في القسم)، وأحمد الطيب كردفاني (سوداني) (السفير حاليا بالخارجية السودانية)، وعبد المجيد بيومي حسن (رئيس قسم الترجمة بالأمم المتحدة)، وعمرو برادة (الذي هاجر إلى الولايات المتحدة)، وعايدة فراج طايع (التي هاجرت إلى الخارج)، وأنا. لم أكن الأخير طبعا، ولكن احتمالات التعيين كانت تضعني قطعا في آخر القائمة! وقال لي عمرو إنه ذكرني بالخير لرشاد رشدي، وأن الأستاذ لم يرد عليه ردا شافيا.
ولا أذكر ظروف امتحان مدرسي اللغة الإنجليزية بوزارة التربية، وكيف وجدت نفسي أمام اللجنة، وكيف أنني تلقيت خطابا بالتعيين في مدرسة الظاهر التجارية الثانوية للبنين، وكيف تلقى زميلي رضا فرحات خطابا بالتعيين في مدرسة ثانوية بالإسكندرية، في محرم بك بالقرب من مسكننا القديم، ولكنني أذكر تماما أنني ذهبت معه للتنازل عن مكاني في القاهرة؛ إذ كنت الوحيد الذي جاءه التعيين فيها، وفي أوائل سبتمبر كنت داخلا دار الإذاعة حين قابلتني «دورا حليم» المترجمة الفذة (رحمها الله)، زوجة الدكتور ناصح أمين، وصاحت في وجهي «مبروك! المدير مضى ورقك!»
وذهبت من فوري إلى إسحاق حنا لأستوثق فقال لي: مبروك عليك «سمعة» (يقصد محمد إسماعيل محمد) فدهشت! ما علاقة التعيين بقسم الأخبار الأجنبية؟ وقال إسحاق موضحا: ممكن تشتغل بروحين! (وضحك ضحكة مجلجلة) وعلمت فيما بعد أنه هو الذي أخذ «أوراقي» إلى محمد أمين حماد، رئيس الإذاعة، وحصل على توقيعه بنفسه. وأحسست بالامتنان لهذا الرجل الذي لم يتوقف يوما عن العمل الجاد، وكان المشهور عنه أنه يكتب أفضل التعليقات، وأن إذاعة إسرائيل ترد عليها دون سواها. وما إن دخلت رسميا غرفة الأخبار الأجنبية حتى وجدت اختلاف «الروح» واضحا! كان الجميع يرحبون بي، وعلى رأسهم «سمعة»! ومع نهاية أكتوبر بدأت أحس بأن عملي في الإذاعة لن يستمر، صحيح أنني استلمت شيكا بستة وتسعين جنيها (مائة بعد خصم الضرائب) نظير العمل خمسة شهور، حسب ما وعدني إسحاق حنا، وكنت أسعد خلق الله طرا، إلا أنني شعرت بأن الجامعة تناديني، خصوصا بعد أن انتهيت من العمل في المهمة الأولى مع الدكتور يونس، وحصلت على مقدم الأتعاب (عشرة جنيهات) وبعد أن تركت صحيفة الجمهورية!
وكان يقيم في حي العجوزة معنا بعض طلبة قسم اللغة الإنجليزية، وكان من الطبيعي أن نتحادث ونتشاور، وكان من أقربهم إلى قلبي شاب خجول اسمه ماهر حسن البطوطي، لم يكن يتحدث كثيرا، وكان أخوه الأكبر عصام قد تخرج في كلية البوليس وحصل على أعلى التقديرات في ليسانس الحقوق الذي يدرسه الطلبة في نفس الوقت، وكان المأمول أن يحصل ماهر أيضا على جيد جدا في السنة الرابعة (التالية)، وكنت أتردد عليه، وذات يوم شاهدت عبد اللطيف الجمال، الذي كان معيدا في القسم، في المنزل المقابل! وخرجت لمقابلته، وكنت أتردد عليه أيام مقامه في المدينة الجامعية، وكان قد انتهى تقريبا من رسالته للماجستير في النقد الأدبي بإشراف رشاد رشدي، وسألني عن الأخبار، فقلت له إن الأمر ميئوس منه؛ لأن رشدي قد انتدب عمرو برادة وسلمى غانم وعفاف المنوفي فقط للعمل، وإنني قد استقر بي الأمر في الإذاعة، وتحادثنا حول الاحتمالات، فقال لي: «اقطع الشك باليقين .. قابل رشدي واسأله!» مع أن الدراسة قد بدأت بالفعل! ثم أردف قائلا: «كلمه بالتليفون وخذ منه موعدا.» وأخذت منه الرقم، وحادثته بالتليفون فدعاني إلى الحضور إلى منزله في صباح اليوم التالي.
وعندما ذهبت إليه تحادثنا في كل شيء إلا في التعيين، وحاولت أن أذكره بوعده ولكن الفرصة لم تسنح، وسألني عن رأيي في أساتذة القسم، فقلت له «لست في موقع يسمح لي بالحكم .. ولكنني أحببت مرسي سعد الدين وأحبه الطلبة.» وكان مرسي منتدبا من الخارج للتدريس لدينا، ولم أكن أدري أن تلك الملاحظة كانت وراء إلغاء انتدابه، فكانت تلك السنة آخر سنة يقوم بالتدريس فيها لدينا! ثم قال كأنما لينهي المقابلة، وقال بنبرات عارضة وهو يسير معي إلى الباب: «تعال غدا إلى القسم حتى نرى ما يمكنك أن تدرسه.» وخرجت. ولم أنتظر المصعد. كنت أقفز درجات السلم قفزا، وذهبت إلى عبد اللطيف الجمال فأيقظته من النوم وصنعت له الشاي، فأخبرته فقال بنبرات حزينة: مستقبل مدلهم!
9
وقبل أن تبدأ الدروس، دخلت مدرج 13، وهو أكبر مدرج في مبنى القسم، وكان خاليا ونظيفا، ووقفت وحدي أتأمل المستقبل؛ فلربما كتب لي أن أقف فيه موقف الأستاذ بعد أن جلست فيه تلميذا ، ولكن كلمة المستقبل «المدلهم» التي نطقها عبد اللطيف الجمال كانت تسيطر على خيالي؛ فكم قضى من ليال يقرأ وينقل مذكرات عن آراء إليوت النقدية، وآراء أرنولد، ويربط أرنولد بحركة رومانسية غاربة، على ما في نقده من بذور الحداثة؛ ابتغاء إقامة تضاد بين المدرسة الفكتورية ومدرسة النقد الحديث! وكم من ليال أصابه اليأس فيها! وكم عانى من الوحشة وهو يرصد فكرة جديدة تزيل الحاجز الموهوم بين وظيفة اللغة التوصيلية؛ أي باعتبارها وسيلة لنقل المعاني، وبين الوظيفة الإبداعية؛ أي باعتبارها كيانا مستقلا (خصوصا في الشعر) له قوانينه وعالمه الخاص به! وتذكرت أنه كان يتقاضى خمسة عشر جنيها لا تكاد تكفي نفقات الحياة المفردة، فما بالك بالزواج! وتصورت أن الأمل الذي لاح خادع، فجعلت أذرع الغرفة من أقصاها إلى أقصاها وأنا أعجب لمشاعر الحزن التي لا مبرر لها، وذكرت قول وردزورث «قد تحمل الأفراح للشعراء أتراحا مقيمة!» وفي الوقت نفسه ذكرت عكس ذلك المعنى في قول حفني ناصف يمتدح حرارة الجو في «قنا» عندما نقل إليها:
سر الحياة حرارة
لولاه ما طير تغنى
كلا ولا زهر تب
अज्ञात पृष्ठ