उम्र के ओएसिस: आत्मकथा: भाग एक
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
शैलियों
وسرعان ما استؤنفت العلاقات مع بريطانيا، ورحل عدد من الأساتذة إلى إنجلترا؛ للحصول على الدكتوراه، فاضطر رئيس القسم إلى انتداب عدد كبير من خارج الكلية للتدريس فيها، ولم يكن قد بقي من الأجانب في القسم إلا مستر كروفورد الأيرلندي أستاذ اللغة اللاتينية، ومستر فيرهايدن الهولندي أستاذ مادة الحضارة، وكان الباقون إما من الكبار (رشاد رشدي، ومحمد يس العيوطي، وأمين روفائيل، وشوقي السكري) أو من مدرسي اللغة الإنجليزية الذين كانوا ينتدبون من المدارس الثانوية للمشاركة في التدريس. ولكن الكلية كانت قد قررت إقامة حفل ضخم في ختام العام الدراسي تقدم فيه مسرحية من تأليف ستانلي هوتون وعنوانها «الراحل العزيز»، وعهد جمال حمدي - الطالب بقسم الصحافة - إلى قسم اللغة الإنجليزية بإعدادها، وكان من نصيبي أن أتولى الترجمة والإعداد، وبدلا من أن أترجمها إلى الفصحى ترجمتها إلى العامية مباشرة حتى يسهل إعدادها، ولكنني ما إن عرضت الترجمة على المخرج «عثمان بدران» حتى اعتبرها إعدادا؛ ومن ثم بدأت التدريبات المسرحية!
وعهدت إلي الكلية بتولي أمر الفرقة الموسيقية، فأهرعت إلى عز، فصاح دون تردد: «رفعت!» ثم أوضح لي أن عددا من طلبة المعهد قد كونوا فرقة فيها مجموعة لا بأس بها؛ مثل هيكل عازف الكمان الموهوب (عميد المعهد بأكاديمية الفنون حاليا)، وبسيوني عازف القانون، واثنان من عازفي العود هما ممدوح الذي يشبه فريد الأطرش (في صوته وعزفه وشكله، بل وفي قصره)، وحلمي بكر المطرب الذي يماثل عبد الحليم حافظ (الذي أصبح ملحنا شهيرا)، وكمال عازف العود الماهر، وعدد كبير من عازفي الكمان؛ على رأسهم «رفعت» نفسه وعز الدين فهمي! وفرحت بهذا الترتيب، وقلت له إن الكلية قد رصدت مبلغ خمسة عشر جنيها أجرا للفرقة، فانهمك في توزيع الأجور بين الطبال والزمار والمغني، ثم تواعدنا على اللقاء في المعهد.
وفي المعهد دار النقاش حول موضوع الهواية والاحتراف؛ لأن بزوغ نجم عبد الحليم حافظ وكثرة عدد من يقلدونه، أو من يقلدون معاصريه من الناشئين مثل عبد اللطيف التلباني ومحرم فؤاد وماهر العطار، على تميز كل منهم وتفرده، جعل الساحة تموج بل تغص بالمحترفين؛ فبعد أن كان محمد الموجي وكمال الطويل يحتكران التلحين لعبد الحليم، ظهر لهما منافس قوي هو بليغ حمدي الذي بدأ بمحاكاة عبد الوهاب خصوصا في استخدام الألحان المبسطة، ثم استقل عنه، وبدأ يهجر الغناء ويركز في التلحين، مما دفع إلى الظل بعباقرة الموسيقى الشرقية القدماء محمد القصبجي وزكريا أحمد وتلاميذهما النجباء مثل محمود الشريف وأحمد صدقي، وامتد النقاش، وتردد اسم فايزة أحمد، المطربة السورية التي لمعت فور اشتغالها بالغناء، ووردة الجزائرية التي تنبأ لها البعض بمنافسة أم كلثوم، وباختصار كان الموقف، على حد تعبير رفعت «يتطلب الاحتراف»! وكانت النتيجة رفض التعامل مع الكلية إلا إذا رفعت الأجر إلى مستوى الاحتراف، وهو أربعون جنيها بالتمام والكمال!
وأبلغت العميد الدكتور عز الدين فريد فوافق! وعقدت الحفلة في مسرح كلية التجارة، وكان من المشاركين مطرب ناشئ اسمه أحمد سامي (لم يكتب له أن يحقق الشهرة) وآخر اسمه محمد عليش، لم يكن حظه أفضل، ولكن الحفل كان فرصة للتعرف على «شباب» الوسط الموسيقي، واكتساب معرفة أوسع نطاقا بالأصوات المتاحة، وكانت لدينا في أحد أقسام الكلية طالبة ذات عيون خضراء وصوت رخيم اسمها «فتحية» تفكر في ممارسة الغناء، وكان وجهها صبوحا وأداؤها عميقا مؤثرا، ولكنها رأت إصرار الجميع على أن السبيل الأوحد هو الاحتراف، فترددت ثم سألتني، فكان لا بد أن أعلن تأييدي لرأي الأغلبية، وكان مما قالته إنهم يريدون أن يغيروا اسمها! وهذا أمر لا يمكن أن يقبله أهلها المتحفظون أو المحافظون، وكان ذلك هو ما حسم الأمر وأقنعها بالعدول عن احتراف الغناء.
وكانت نتائج هذا العام الدراسي أفضل كثيرا من نتائج العام السابق، فاطمأنت الأسرة، وتركتني وذهبت إلى رشيد، ومكثت مع والدي وحدنا في القاهرة، وكنت أقضي وقتا طويلا مع أحمد السودة الذي كان دائما ما يدعوني إلى مشاهدة الأفلام التاريخية والأدبية ودور السينما الصيفية، ويتولى هو دائما دفع كل شيء؛ من ثمن التذاكر إلى الساندوتشات والكوكاكولا، كما كان يفعل في المدرسة، معي ومع غيري من الطلبة، فقد كان (وما يزال) يتميز بالسخاء الفياض، وكانت تلك خصيصة أثرت في أكبر تأثير؛ إذ أدركت أن كرم النفس وراء كرم اليد، وأصبحت أقيس كرم النفس بمدى الاستعداد للعطاء واحتقار حطام الدنيا، ولم يكن أحمد السودة أغنى طالب في الفصل؛ فقد كان هناك قطعا من هم من أسرات مماثلة في الغنى والعراقة ، ولكنه كان يتميز بما يسميه الإنجليز بالروح العالية، وهو شيء أنظر حولي هذه الأيام فلا أجده عند الكثيرين، ولا أنسى موقفه ذات يوم عندما اشتريت حلوى من بائع في شارع سليمان بوسط البلد، وظننت أن البائع أخطأ في الحساب فأعطاني نصف قرش فوق الحساب فصاح أحمد: «ده راجل غلبان .. رجعه له.» وفعلت، مما ذكرني بمواقف والدتي في طفولتي.
6
ومع بداية العام الدراسي 1957-1958م اختلفت صورة الكلية؛ إذ عاد اثنان من الأساتذة بالدكتوراه من إنجلترا؛ هما مجدي وهبة وفاطمة موسى. وكان مجدي وهبة يدرس لنا عدة مواد منها الشعر، ولكنه كان ذا رؤية ثقافية جديدة تدفعه إلى إقامة الجسور مع الأدب العربي واللغة القومية، فكان يحترم الترجمة ويؤمن بأنها من الجسور التي لا بد من إقامتها بين الأدبين العربي والإنجليزي، وكان يتحدث بلغة إنجليزية رفيعة وبلهجة راقية يسمونها لهجة جامعة أكسفورد، ومع ذلك فقد كان لا يجد عيبا في كتابة كلمة بالعربية على السبورة إذا لزم الأمر، أو النطق بعبارة بالعربية في الفصل، وكان ذلك من المحرمات في العامين السابقين. وسرعان ما أعلن عن مسابقة بين طلبة السنة الثالثة لترجمة مقطوعة من قصيدة طويلة للشاعر الإنجليزي الكلاسيكي «ألكسندر بوب».
وتبارى هواة الترجمة في الصياغة العربية، وكان مطلع المقطوعة هو:
A little learning is a dangerous thing;
Drink deep or taste not the Pierian spring;
अज्ञात पृष्ठ