उम्र के ओएसिस: आत्मकथा: भाग एक
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
शैलियों
وموجز القصة هو أن الحملة الفرنسية فتحت عيون الغرب على الشرق، وبدأ الاهتمام غير المسبوق بمنطقة الشرق الأوسط التي كانت تسمى الشرق الأدنى، خصوصا بولايات الدولة العثمانية (رجل أوروبا المريض) التي كانت الدول البحرية تتنازع على امتلاكها أو وراثتها، وعلى رأسها إنجلترا وفرنسا. فما إن رحل نابليون، ورحلت الحملة الفرنسية عام 1801م بعد صلح أميان، حتى قررت إنجلترا غزو مصر. وعلى عكس الفرنسيين الذين أرسلوا حملة كاملة تضم العلماء والكتاب والرسامين، أرسل الإنجليز حملة عسكرية فقط، والمأثورة عن الإنجليز هو التفكير الاقتصادي الذي يرجع إلى ممارسة التجارة، وما يسمى هذه الأيام بفاعلية التكاليف؛ أي أقل التكاليف الممكنة للحصول على أكبر مكسب ممكن، ومن ثم درسوا «الجدوى الاقتصادية» للحملة بناء على المعلومات المستقاة من حملة نابليون، وأرسلوا سفنهم التي رست في الإسكندرية وهناك وضعت خطة للاستيلاء على رشيد، وهزيمة قوات محمد علي باشا، الذي كان قد أصبح حاكم «ولاية» مصر، ثم الإبحار في النيل حتى القاهرة لهزيمة من بقي من المماليك، بدلا من الطريق البري الذي سلكه نابليون. ولكن محمد علي كان في الصعيد يحارب المماليك الذين هربوا، وكانت شوكتهم كبيرة وماضية؛ فالمملوك محارب محترف، وقوات محمد علي من المصريين وأخلاط منوعة من الأرناءود (الألبان) والانكشارية وغيرهم. وربما كان فريزر على علم بذلك، وأكد ما علمه أنه لم يلق كيدا حين وصل إلى الإسكندرية، فقرر إرسال فرقته الرئيسية إلى رشيد لتسير بحذاء البحر، في الطريق الذي كان آنذاك صحراويا لا ماء فيه، على أن تخرج الفرقة في الصباح الباكر؛ إذ كانت الخطة أن يفاجئ رشيد ويستولي عليها، ثم تلحق به باقي فرق الحملة، التي كانت لا تزيد عن كتائب بالمفهوم المعاصر.
وجاءت الأخبار إلى قائد حامية (وكانت تسمى مسلحة) رشيد، واسمه علي بك السلانكلي، بوصول الحملة وباعتزامها الهجوم على رشيد. وكان الشيخ البواب، وهو من أعيان رشيد (وصهر الجنرال مينو خليفة كليبر ونابليون) قد ابتدع طريقة لا بد أنه قرأ عنها في تاريخ فتح بلاد فارس، بعد معركة القادسية، وهي عدم الاعتماد على البريد، بل ما يمكن تسميته بسلسلة الأخبار، ومعناها أن يقسم الطريق إلى الإسكندرية إلى مراحل، وأن يجعل في كل مرحلة رقيبا (ناضورجي = صاحب النظر) بيده راية يرفعها وقت الخطر لينذر من يليه، وهكذا يمكن أن يعلم من في رشيد بما يدور في الإسكندرية فور وقوعه، ويختلف لون الراية بطبيعة الحال وفقا لنوع الخطر (أو عدم وجود الخطر). وعمل السلانكلي بنصيحة الشيخ البواب، وأقام المراقبين على طول الطريق، وعندما تحركت الحملة في الفجر، جاء النذير إلى أهل البلد، فنهض الجميع واستعدوا وكانوا قدروا أن تصل في الظهيرة؛ ومن ثم كانت الخطة أن يسدوا جميع منافذ البلد الغربية سوى منفذ واحد، هو المنفذ الرئيسي، الذي يؤدي إلى سفح تل صغير لدى مسجد العرابي، وأن يجعلوا الطريق أمامه مفتوحا إلى السوق القبلية، وتتفرع منه شوارع ضيقة متشابكة، وعلى جانبيه بيوت مملوكية عالية، تتقارب أسطحها.
أما الخطة نفسها فهي أن يهجر الجميع الشوارع، ويتحصنوا في البيوت حتى إذا دخلت الحملة، انهال عليها الرصاص من كل جانب، وأعد الرجال كل ما يستطيعون من أسلحة، وأعدت النساء الزيت المغلي، وأعد الصبيان الأحجار والمقاليع، وأكياس الرمل الصغيرة، وأصدر رئيس الكنيسة القبطية (القبلية) أمرا بأن يتحصن الأقباط في الكنيسة، ورئيس كنيسة الروم (البحرية) بأن يتحصن الأروام فيها، كما طاف بالبلد المنادي بعدم إقامة الصلاة في المسجد وإقامتها في البيوت حتى تنجلي الغمة. أما قوات الحامية نفسها فقد استعدت في منطقة البياصة في آخر شارع العرابي عند النيل؛ استعدادا لملاقاة رجال الحملة. وكان أخشى ما يخشاه السلانكلي بك أن يقوم الإنجليز بنصب مدافعهم على تلال «أبو مندور» (وهو اسم الشهرة لأحد الصالحين، واسمه الحقيقي أبو النظر ومن ثم تحولت إلى أبو منظور، أو أبو منضور، ومنها الاسم الشائع، وقد بنى له الخديوي عباس حلمي الثاني مسجدا مجاورا للتل الرئيسي)، ومن ثم بعث من يرسل إليه الإشارة اللازمة إذا حدث ذلك، على أن يتجنب الجميع الاشتباك قبل أن يصدر الأمر بذلك، وكانت الإشارة هي رفع الرايات الحمراء فوق مآذن المساجد. كما لم يفت السلانكلي أن يأمر بإخفاء جميع مصادر الماء من أزيار وسبل (السبيل هو ماء الشرب الذي يقدم في السبيل؛ أي في الطريق عند نواص محددة، وقد تحول إلى صنابير المياه الجارية حاليا) بحيث ينهك العطش الغزاة.
وكان اليوم حارا بصورة غير عادية، واستغرقت المسافة مدة أطول مما توقعه لها المهاجمون، فوصلوا بعد الظهر، وقد بلغ الحر أشده، وبلغ بهم الإجهاد كل مبلغ، وكانت العيون قد سبقتهم تستطلع المكان فعادت بالأمان، وظن الجميع أن رشيد قد سقطت، فدخلوا ينشدون الأناشيد واستلقوا على طول الطريق يشربون ما لذ لهم من شراب معهم، وأراحوا الخيل وقدموا لها ما كان لديهم من علف وماء، وما هي إلا لحظات حتى كان النعاس قد غلب الكثيرين، بينما انبثت العيون داخل البلد تستطلع المكان فلم تجد أحدا، فزاد اطمئنانهم، وربما كان السلانكلي لا ينتوي إطلاق إشارة الهجوم قبل ساعة أو بعض ساعة، لولا أن رأى بعضهم يتجه إلى بعض الكثبان لنصب المدافع فأمر برفع الرايات الحمر.
وفي لحظات كان الرصاص ينهمر من كل جانب، كان الرجال يصوبون والنساء يعدن شحن البنادق، ويلقين بالزيت المغلي، والصبيان يتبارون في إصابة الأعداء بالحجارة، فساد الذعر وصحا من نام، وأفاق من غفل، وتفرقوا في الحواري فكان الواحد إذا مر أمام باب فتح وجذبته الأيدي إلى الداخل وقيدته، وكانت ساعة أذان العصر قد حانت، فعصى المؤذن أمر القائد وأذن فوق مئذنة مسجد زغلول، فتبعه المؤذنون في كل المساجد الذين كانوا يرفعون الرايات، وما هي إلا ساعة حتى كان مصير الحملة القتل والأسر، إلا من فر هاربا في الصحراء لا يلوي على شيء.
وعادت الحياة إلى رشيد واستولت الحامية على الأسلحة والذخائر، وقضى الجميع الساعات الباقية في إطعام الأسرى ومداواة الجرحى، ولم يفت السلانكلي بك أن يطير الخبر عن طريق سلسلة الرايات إلى الإسكندرية، فوصلت الأخبار صباح اليوم التالي إلى القاهرة بالنصر على فريزر، وأسر المئات من أفراد حملته. وقام بعض رجال الحملة بنقل الأسرى إلى القاهرة حتى يرى الباشا فيهم أمره، وكانت قد بلغته أنباء النصر فعاد في مساء اليوم التالي إلى القاهرة، وقد اطمأن قلبه، وقدر أن الإنجليز لا بد منتقمون، ومن ثم كان لا بد من السعي إليهم في الإسكندرية.
وأقام السلانكلي بعض مدافعه الضخمة على تلال أبو مندور، وزود أبناء البلد ممن قاتلوا وأظهروا البسالة بالأسلحة الإنجليزية، وأراح الخيل يومين وقدم لها العلف والماء، حتى جاءته الإشارة من الإسكندرية أن الحملة قد اتجهت صوب رشيد من طريق آخر، وكان يعرف المنطقة خير المعرفة، فقدر أنهم لا بد أن يسلكوا طريق «الحماد»، وهي قرية في سفح تل مرتفع، ورجح أن يحتموا بالتل قبل الهجوم، أي أن يقرروا هم مكان المعركة، بل وتوقيتها إذا نصبوا المدافع على التل. ومن ثم أرسل مدافعهم نفسها فأقامها فوق التل، وكان صعود المدافع المحمولة على عربات تجرها الخيل من المهام الشاقة؛ إذ استغرقت يوما أو بعض يوم، كما لجأ أهل «الحماد» إلى حيلة مبتكرة تتمثل في تمهيد الطريق إلى سفح التل؛ حتى لا يتعثر السائرون فيه، بل يسرعون إلى الموقع الذي قدر السلانكلي أن المعركة ستدور فيه. وكان لا يزال ينتظر المدد من محمد علي باشا، الذي بادر بإرساله فغاب في الطريق وأطال الغياب.
ووصل الإنجليز إلى المكان الذي كان السلانكلي يتوقعه، ولم يتعرض لهم أحد حتى استقروا ونصبوا مدافعهم على السهل، واتخذوا مواقعهم حول التل، وكان السلانكلي ينتظر وصول الإمدادات حين فوجئ بالإنجليز يتسلقون التل، ومن ثم أصدر الأمر بإطلاق النار، وعلى الفور انهالت القذائف على الأعداء من المدافع، وطلقات الرصاص من كل جانب، فوجد الإنجليز أنفسهم محاصرين، في أرض لا يعرفونها، وبين ناس لا يعرفون لغتهم، وما انتصف النهار حتى اكتشف فريزر أنه لو استمر فسوف يهلك هو ومن معه؛ لأنه لا يستطيع الحصول على إمدادات من البحر أو البر، ولأن مئونته ستنفد، ومن ثم أعلن أنه يطلب التسليم برفع الرايات البيضاء، ولكن السلانكلي لم ينخدع حتى رأى فلولهم تجري مهرولة من حيث جاءت، فأمر بالتوقف عن إطلاق النار، وجمع الغنائم.
وهزم الغازون وانسحبوا إلى الإسكندرية (من بقي منهم)، وعاد السلانكلي إلى رشيد ليجد أن القوات التي أرسلها محمد علي قد وصلت، فسلمهم الأسرى وبعض الغنائم، وبات أهل البلد يتحدثون عما حدث، وكل يروي قصصه للأبناء، وأصبح النصر حديث الجميع، وسرعان ما نسجت حوله الروايات الفردية والقصص والأشعار، وكان من المصادر التي ألهمت أبناء الشعب ما يتناقلونه من أخبار، بل احتفظت بعض الأسرات بتذكارات من الحملة، تتوارثها أبا عن جد، ولا شك أن لها قيمة تاريخية.
وانهمك أعضاء جماعة الرسم في المدرسة، وكنت منهم، في إعداد اللوحات الزيتية الكبيرة التي تصور مشاركة الرجال والنساء في المعركة، وهي لوحات حائطية ضخمة، كما استدعى جمال السنهوري شاعرا من أهل البلد اسمه حسن شهاب، وكان يتقاسم إمارة شعر الفصحى مع إبراهيم الكتبي (بتسكين التاء) والزجل مع فتحي الجارم، الذي يلقي أزجاله في نادي الموظفين على شاطئ النيل. وكتب شهاب نشيدا قصيرا، قام السنهوري بتلحينه؛ يقول مطلعه:
अज्ञात पृष्ठ