بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على جزيل آلائه، والشكر له على جميل نعمائه، والصلاة والسلام على أشرف (1) أصفيائه، وأكرم أنبيائه، محمد وآله.
أما بعد (2)، فهذه رسالة وافية، وجملة شافية، محتوية على تحقيق المهم من المسائل الأصولية، سيما (3) مباحث الأدلة العقلية، ومباحث الاجتهاد والتقليد، وباب التراجيح.
وهي مشتملة على مقدمة وأبواب:
पृष्ठ 57
المقدمة:
في تحقيق ما ينبغي العلم به قبل الشروع في المقصود.
وفيها أبحاث:
الأول: الأصول - لغة -: ما يبنى عليه (1) الشئ.
ومضافا إلى الفقه: هو العلم بجملة طرق الفقه إجمالا، وبأحوالها، وكيفية الاستدلال بها، وحال المفتي والمستفتي (2).
الثاني: اللفظ إن استعمل فيما وضع له، فهو حقيقة، وإلا فمجاز.
والأول: إن كان استفادة المعنى منه (3) بوضع الشارع، فحقيقة شرعية. وإن كان بوضع أهل اللغة، فلغوية. وإن كان بوضع طار غير الشرع، فحقيقة
पृष्ठ 59
عرفية: عامة أو خاصة.
ولا ريب في وجود الأخيرتين.
وأما الشرعية: ففي وجودها خلاف (1)، والحق: وجودها.
لنا: تبادر الأركان المخصوصة من لفظ الصلاة، والقدر المخرج من المال من لفظ الزكاة، والقصد الخاص من لفظ الحج (2)، ونحو ذلك، مع أن هذه الألفاظ موضوعة في اللغة لمعان اخر.
والتبادر من أمارات الحقيقة.
فإن قلت: أردت التبادر في كلام الشارع، أو المتشرعة - أعني الفقهاء -؟
الأول ممنوع، والثاني مسلم، ولا يثبت به إلا الحقيقة العرفية.
قلت: إنكار التبادر في كلام الشارع، مكابرة باللسان لما يحكم به الوجدان، فإنه لا شك في حصول هذه المعاني في الأذهان من مجرد (3) سماع هذه الألفاظ في أي كلام كان.
غايته أنك تقول: إن هذا التبادر لأجل المؤانسة بكلام المتفقهة.
فنقول: هذا غير معلوم، بل الظاهر أنه لكثرة استعمال الشارع هذه الألفاظ في هذه المعاني.
والحاصل: أنا نقول إن التبادر معلوم، وكونه لأجل أمر غير الوضع، غير معلوم، فنحكم بالحقيقة، وإلا لم تثبت أكثر الحقائق اللغوية والعرفية، إذ احتمال كون التبادر بواسطة أمر خارج (4)، جار في الأكثر.
واعلم: أن هذه المسألة قليلة الفائدة، إذ صيرورة هذه الألفاظ حقائق
पृष्ठ 60
في معانيها الشرعية في كلام الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين مما يبعد النزاع فيه غاية البعد.
واستقلال القرآن والاخبار النبوية - المنقولة من غير جهة الأئمة عليهم السلام، بحكم - مما لا يكاد يتحقق بدون نص من الأئمة عليهم السلام على ذلك الحكم.
الثالث: الأصل في اللفظ أن يكون مستعملا فيما وضع له حتى يثبت المخرج، فإذا دار اللفظ بين الحقيقة والمجاز، رجحت الحقيقة.
وكذا إذا دار بينها (1) وبين النقل، أو التخصيص، أو الاشتراك، أو الاضمار.
ولكن إن وقع التعارض بين واحد من هذه الخمسة مع آخر منها - كما قيل (2) في آية * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * (3) حيث إن الحكم بتحريم معقودة الأب على الابن من الآية موقوف على مجازية النكاح في الوطئ، إذ على تقدير الاشتراك يجب التوقف، كما يتوقف في حمل كل مشترك على واحد من معانيه بدون القرينة - فقد قيل: بتقديم (4) المجاز على الاشتراك وغيره عدا التخصيص، و: بتقديم (5) الاشتراك على النقل، وقيل: بالعكس، و:
بتقديم (6) التخصيص على غيره، و: بتساوي الاضمار والمجاز (7).
والأولى: التوقف في صورة التعارض، إلا مع أمارة خارجية أو داخلية توجب صرف اللفظ إلى أمر معين، إذ مما ذكروا في ترجيح البعض على البعض، من كثرة المؤنة وقلتها، وكثرة الوقوع وقلته، ونحو ذلك، لا يحصل الظن بأن
पृष्ठ 61
المعنى الفلاني هو المراد من اللفظ في هذا الموضع.
وبعد تسليم الحصول - أحيانا - لا دليل على جواز الاعتماد على مثل هذه الظنون في الأحكام الشرعية، فإنها ليست من الظنون المسببة (1) عن الوضع.
الرابع: إطلاق المشتق - كاسم الفاعل والمفعول ونحوهما - على المتصف بمبدئه بالفعل حقيقة، اتفاقا، كالضارب لمباشر الضرب.
وقبل الاتصاف بالمبدأ؟ المشهور: أنه مجاز، وادعى جماعة الاتفاق عليه، وقال صاحب الكوكب الدري: " إطلاق النحاة يقتضي أنه إطلاق حقيقي " (2).
وأما بعد زوال المبدأ، كالضارب لمن انقضى عنه الضرب؟ ففيه أقوال:
أولها: مجاز مطلقا.
ثانيها: حقيقة مطلقا (3).
ثالثها: إن كان مما يمكن (4) بقاؤه فمجاز، وإلا فحقيقة (5).
وتوقف جماعة كابن الحاجب (6) والآمدي (7).
وذكر الرازي (8) والآمدي (9) والتبريزي - في اختصار المحصول (10) - وجماعة أخرى (11): أن محل الخلاف ما إذا لم يطرأ على المحل وصف وجودي
पृष्ठ 62
يناقض المعنى الأول أو يضاده، كالسواد مع البياض، والقيام مع القعود، ومع الطريان مجاز اتفاقا (1).
وفي تمهيد الأصول: " إن النزاع إنما هو فيما إذا كان المشتق محكوما به، كقولك: زيد مشرك (2)، أو قاتل، أو متكلم، فإن كان محكوما عليه - كقوله تعالى * (الزانية والزاني فاجلدوا...) * (3)، * (والسارق والسارقة فاقطعوا...) * (4) و * (فاقتلوا المشركين...) * (5) ونحوه - فإنه حقيقة مطلقا:
سواء كان للحال أو لم يكن " (6).
والحق: أن إطلاق المشتق باعتبار الماضي حقيقة، إذا (7) كان اتصاف الذات بالمبدأ أكثريا، بحيث يكون عدم الاتصاف بالمبدأ مضمحلا في جنب الاتصاف، ولم تكن الذات (8) معرضة عن المبدأ، أو راغبة عنه، سواء كان المشتق محكوما عليه أو محكوما به، وسواء طرأ الضد أم لا (9)، لأنهم يطلقون المشتقات على المعنى المذكور من دون نصب القرينة، كالكاتب والخياط والقارئ والمتعلم والمعلم ونحوها، ولو كان المحل متصفا بالضد الوجودي كالنوم ونحوه.
والقول: بأن الألفاظ المذكورة ونحوها كلها موضوعة لملكات هذه
पृष्ठ 63
الافعال (1).
مما يأبى عنه الطبع السليم في أكثر الأمثلة، وغير موافق لمعنى مبادئها على ما في كتب اللغة.
وقال الشارح الرضي (2)، نقلا عن أبي علي والرماني (3): " إن اسم الفاعل مع اللام فعل في صورة الاسم " قال: " ونقل ابن الدهان ذلك أيضا عن سيبويه، ولم يصرح سيبويه بذلك، بل قال: الضارب زيدا بمعنى ضرب " انتهى (4).
والحاصل: أن استعمال اسم الفاعل بمعنى الماضي في كلامهم أكثر من أن يحصى، والأصل في الاستعمال الحقيقة، وكذا غيره من المشتقات.
ومن فروع المسألة ما لو قال أحد: " وقفت الشئ الفلاني على سكان موضع كذا " فهل (5) يبطل حق الساكن بالخروج عن الموضع مدة قليلة أو كثيرة، على وجه الاعراض أو غير وجه الاعراض؟
وقد عرفت التحقيق.
पृष्ठ 64
الباب الأول في الأمر والنهي وفيه مقصدان
पृष्ठ 65
الأول في الامر:
وفيه مباحث:
الأول: في أن صيغة الامر هل تقتضي الوجوب أو لا؟.
اختلف الناس في ذلك، فقيل: إنها للوجوب (1)، وقيل: للندب (2)، وقيل: للقدر المشترك بينهما وهو الطلب (3)، وقيل: باشتراكها بينهما لفظيا (4)، وقد تدرج الإباحة فيها (5) لفظيا أو معنويا (6) باعتبار الاذن في الفعل، وقد يدرج
पृष्ठ 67
التهديد فيها لفظيا (1)، وقيل: بالوقف (2) في الأولين (3)، وقيل للوجوب شرعا لا لغة (4).
والحق: أنها للقدر المشترك بين الوجوب والندب، وهو الطلب، ولكن دل الشرع على وجوب امتثال الأوامر الشرعية فيحكم بالوجوب عند التجرد عن قرائن الندب (5)، فههنا مقامان:
الأول: أنها حقيقة في الطلب.
والدليل عليه من وجوه:
الأول: أن المفهوم من الصيغة ليس إلا طلب الفعل، وربما لا يخطر بالبال الترك، فضلا عن المنع عنه (6)، ولهذا عرف النحاة (7) وأهل الأصول (8) الامر بأنه: طلب الفعل على سبيل الاستعلاء أو العلو (9).
الثاني: ضعف دليل مثبتي الفصول المميزة - من الوجوب والندب - في
पृष्ठ 68
حقيقة صيغة الامر، كما ستطلع عليه.
الثالث: كثرة ورود الامر في الأحاديث متعلقا بأشياء بعضها واجب وبعضها مندوب، من دون نصب قرينة في الكلام، وهذا غير جائز لو لم يكن حقيقة في القدر المشترك.
وكذا كثرة وروده متعلقا بالأمور الواجبة وكذا بالمندوبة، من دون نصب القرينة في الكلام.
لا يقال: على تقدير كون الصيغة حقيقة في القدر المشترك، كيف يجوز استعمالها في الواجب (1) أو الندب، بدون القرينة؟! إذ المجاز مما لابد له من القرينة؟!
لأنا نقول: الصيغة ليست مستعملة إلا في الطلب، وإنما يعرف كون متعلقه (2) جائز الترك أو غير جائز الترك، من موضع آخر (3)، فليست إلا مستعملة في معناها الحقيقي.
والقول باحتمال اقترانها بالقرينة حين الخطاب وخفائها علينا الآن، مما يأبى عنه الوجدان، لبعد خفائها في هذه المواضع على كثرتها، ولاشتراك التكاليف بيننا وبينهم (4).
पृष्ठ 69
حجة من قال بأنها حقيقة في الوجوب أمور:
أحدها: أن السيد إذا قال لعبده: (إفعل كذا) ولم يكن هناك قرينة أصلا، فلم يفعل، عد عاصيا، وذمه العقلاء لتركه الامتثال، فتكون للوجوب. (1) والجواب: لا نسلم تحقق العصيان والذم على تقدير انتفاء القرينة، والقرائن في مثل هذه المواضع لا يكاد يمكن انتفاؤها، إذ الغالب علمه بالعادة العامة، أو عادة مولاه، أو فوت منفعة مولاه، ولهذا لو أمره مولاه بما (2) يختص بمصالحه، من غير أن يعود على السيد منه نفع ولا ضرر، لما ذمه العقلاء إذا لم يفعل، وهذا ظاهر.
والأدلة الباقية: آيات قرآنية، تدل على عدم جواز ترك ما تعلق به أمر الشارع (3)، وسيجئ بعضها.
والجواب: أن هذه الآيات لا تدل على كون الصيغة حقيقة في الوجوب، كما لا يخفى.
وحجة من قال بأنها للندب أمران:
أحدهما: قول النبي صلى الله عليه وآله " إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم (4) " أي ما شئتم (5).
पृष्ठ 70
وجوابه ظاهر، لبطلان تفسير الاستطاعة بالمشيئة.
وثانيهما: مساواة الامر والسؤال إلا في الرتبة، والسؤال إنما يدل على الندب، فكذا الامر (1).
وجوابه: منع المساواة أولا، ونص أهل اللغة عليها غير ثابت، ومنع دلالة السؤال على الندب ثانيا.
المقام الثاني:
إن امتثال الأوامر الشرعية واجب إلا مع دليل يدل على جواز ترك الامتثال، والدليل عليه أيضا من وجوه:
الأول: أن امتثال الامر طاعة، إذ ليس معنى الطاعة إلا الانقياد كما صرح به أرباب اللغة، وحصول الانقياد بامتثال الامر بديهي، وترك الطاعة عصيان، لتصريح أهل اللغة بأن العصيان خلاف الطاعة (2)، والعصيان حرام، لقوله تعالى: * (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم) * (3).
الثاني: قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) * (4) مع الآيات الدالة على ذم ترك الطاعة، كقوله تعالى : * (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) * (5) وغيرها.
الثالث: قوله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * (6).
पृष्ठ 71
والتهديد على مخالفة مطلق الامر لا يصح إلا مع وجوب امتثال مطلق الامر.
الرابع: ما ذكره السيد المرتضى رحمه الله من حمل الصحابة كل أمر ورد في القرآن أو السنة على الوجوب (1).
والظاهر كون باعث حملهم هو ما ذكرناه في هذا المقام، لما مر (2) في المقام الأول، ولأصالة عدم النقل.
واعلم أن صاحب المعالم قال في أواخر هذا البحث: " فائدة: يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمة عليهم السلام، أن استعمال صيغة الامر في الندب كان شائعا في عرفهم، بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح الخارجي، فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الامر به منهم عليهم السلام " (3) انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
وأنت بعد خبرتك بما ذكرنا تعلم أن صيغة الامر في كلام الأئمة عليهم السلام ليست مستعملة إلا فيما استعملت فيه في كلام الله تعالى (4)، وكلام جدهم صلى الله عليه وآله، وكيف يتصور عنهم نقل لفظ كثير الاستعمال عن معناه الحقيقي في كلام جدهم صلى الله عليه وآله من غير تنبيه وإعلام لاحد:
أن عرفنا في هذا اللفظ هذا المعنى؟! حاشاهم عن ذلك، بل الصيغة في كلامهم أيضا مستعملة في طلب مبدأ الصيغة، وإنما يعلم العقاب على الترك وعدمه من أمر خارج.
وورودها في كلامهم أيضا مجردة، محمولة على الوجوب المذكور، لفرض
पृष्ठ 72
طاعتهم أيضا، لما مر، ولما رواه الكليني، في باب فرض طاعة الأئمة عليهم السلام من الكافي، بسنده عن بشير العطار، قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
نحن قوم فرض الله طاعتنا، وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته " (1).
وبسنده " عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: * (وآتيناهم ملكا عظيما) * " (2) قال: الطاعة المفروضة " (3).
وفي الصحيح: عن أبي الصباح الكناني، " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: نحن قوم فرض الله عز وجل طاعتنا... " الحديث (4).
وروى الحسين بن أبي العلاء، في الصحيح: " قال: ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام قولنا في الأوصياء: إن طاعتهم مفترضة؟ قال: فقال: نعم، هم الذين قال الله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) * (5) وهم الذين قال الله عز وجل * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) * " (6).
وفي الصحيح: " عن معمر بن خلاد قال: " سأل رجل فارسي أبا الحسن عليه السلام، فقال: طاعتك مفترضة؟ فقال: نعم. قال: مثل طاعة علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال: نعم " (7).
وفي الموثق: " عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن
पृष्ठ 73
الأئمة هل يجرون في الامر والطاعة مجرى واحد؟ قال: نعم " (1).
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المذكورة في هذا الباب وفي غيره، ولا شك أن الانقياد لمطلوبهم (2) طاعة، وطاعتهم واجبة، فامتثال أوامرهم واجب مطلقا إلا ما دل دليل على جواز عدم العمل به، وهذا ظاهر.
تذنيب اختلفوا في صيغة الامر إذا وردت بعد الحظر، على أقوال:
الوجوب (3)، والندب، والإباحة (4)، وتابعية ما قبل الحظر، والتوقف (5).
والحق: أن صيغة الامر - إذا وردت بعد الحظر أو الكراهة (6)، أو في مقام مظنة الحظر أو الكراهة، بل في موضع تجويز السائل واحدا منهما (7)، كأن يقول العبد: هل أنام أو أخرج؟ أو نحو ذلك، فيقول المولى له: (إفعل ذلك) (8) - لا تدل إلا على رفع ذلك المنع التحريمي أو التنزيهي المحقق أو المحتمل (9).
पृष्ठ 74
وهو كالاذن في الفعل، أمر مشترك بين الإباحة والندب والوجوب.
فالإباحة: مثل * (وإذا حللتم فاصطادوا) * (1).
والندب: مثل * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) * (2).
والوجوب: مثل * (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * (3).
لنا: تبادر رفع المنع من الفعل.
والظاهر أنها مجاز في هذا المعنى، والتبادر لأجل القرينة، وهي مسبوقية الصيغة بالمنع المحقق أو المحتمل، وتعليقها على زوال علة المنع في البعض.
وأيضا: إجراء أدلة الوجوب والندب لا يتصور فيما نحن فيه، لأنه فرع فهم الطلب من (4) الصيغة، وفرديتها لمفهوم الامر، مع أنها ليست كذلك فيما نحن فيه (5).
البحث الثاني:
اختلفوا في دلالة صيغة الامر على الوحدة والتكرار على أقوال:
ثالثها - وهو الحق -: عدم دلالتها على شئ منهما.
لنا: تبادر مجرد طلب الفعل من الصيغة، من غير فهم شئ من الوحدة والتكرار منها (6)، كالزمان والمكان وغيرهما من المتعلقات (7)، والمنكر مكابر.
पृष्ठ 75
وأيضا: لو دلت على التكرار لعمت الأوقات، لعدم الأولوية (1)، وهو باطل (2) للاجماع على خلافه.
وما قيل: بأنها لو لم تكن للتكرار لما تكرر الصوم والصلاة وغيرهما، ولما كانت مماثلة لصيغة النهي، حيث اقتضت التكرار، ولاستلزامها إياها بالنظر إلى الضد، وتكرار اللازم يستدعي تكرار (3) الملزوم.
فهو باطل، لان تكرر (4) ما يتكرر من العبادات، إنما هو لدليل آخر، كتعليقه على موجب يتكرر.
وأيضا: التكرار على هذا النحو مما لا يتصور أن يكون مفهوما من مجرد صيغة الامر.
وأيضا: ينتقض بما لا يتكرر كالحج ونحوه.
والثاني: قياس، وفي اللغة (5)، ومع الفارق، إذ النهي يقتضي انتفاء الحقيقة، والامر اثباتها.
والثالث: باطل، لما سيجئ من عدم الاستلزام.
وبعد التسليم: فالنهي هنا تابع للامر في التكرار وعدمه، لترتبه عليه، والقائل بالمرة يتمسك هنا بتحقق الامتثال بالمرة (6)، ولا يخفى أنه لا ينافي كونها لمجرد الطلب، لأصالة براءة الذمة.
पृष्ठ 76
تذنيب (1):
الحق أن الامر المعلق على شرط أو صفة، لا يتكرر بتكررهما (2) إلا إذا كانت الشرطية قضية كلية، مثل: (كلما جاءك زيد فأكرمه)، أو كان الشرط أو الصفة علة موجبة (3)، مثل: * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * (4)، * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * (5).
ووجه الثاني ظاهر.
ولنا على الأول: أن السيد إذا قال لعبده: (إن دخلت السوق، أو إذا دخلت السوق، فاشتر لحما) (6) فترك الشراء في المعاودة لا يوجب الذم، وهو ظاهر (7).
ولكن أكثر الأوامر المعلقة الواقعة في الاحكام مما يتكرر بتكرر الشرط لفهم العلية غالبا، ولذا توهم البعض أن (إذا) تفيد العموم عرفا، وإن لم تفده لغة.
البحث الثالث:
اختلفوا في دلالة صيغة الامر على الفور أو التراخي، على أقوال (8):
पृष्ठ 77
ثالثها: أنها لا تدل على شئ منهما (1) وهو الحق، إلا أن الأقوى وجوب التعجيل في الامر المجرد عن القرائن، فههنا أيضا مقامان:
الأول: عدم الدلالة على الفور ولا على التراخي.
ولنا فيه: أن المتبادر من الامر ليس إلا طلب الفعل من غير فهم شئ من الأوقات والأزمان منه، وهو ظاهر (2).
الثاني: وجوب المبادرة إلى امتثال الفعل المأمور به، وليس المراد بالفور - في المقام الثاني - المبادرة بالفعل في أول أوقات الامكان، بل ما يعد به المكلف الفاعل عرفا مبادرا ومعجلا، وغير متهاون ومتكاسل (3)، وهذا أمر يختلف بحسب اختلاف الآمر والمأمور والفعل المأمور به، مثلا: إذا أمر المولى عبده بسقي الماء، فبتأخيره ساعة تفوت الفورية، ويعد العبد متهاونا.
وإذا أمره بالخروج إلى مصر (4) بعيد الغاية - كالهند - فبتأخر أسبوع بل شهر لا تفوت الفورية، ولا يعد متهاونا.
والدليل عليه من وجوه:
الأول: أن جواز التأخير على تقديره ليس إلى (5) غاية معلومة، إذ لا دلالة للصيغة على غاية معلومة، ولو استفيدت (6) الغاية من أمر خارج، يخرج عن محل
पृष्ठ 78