ومثال كنهور فنعول وأصل الكلمة الكاف والهاء والراء. والكنهور لتراكبه وغلظه يرجع إلى معنى الكهر وهو الزجر والتجهم يقال سألني فلان فكهرته وانتهرته أي تجهمت له وزجرته والكهر شدة وقع الشمس قال عدي:
فإذا العانَةُ في كَهرِ الضحى ... دونها أحْقَبُ ذو لَحمٍ زِيَمْ
وقال المتنبي:
ذَمَّ الدمستق عينه وقد طَلَعَتْ ... سودُ الغمام فظنوا أنها قَزَعُ
قال أبو الفتح: القزع من السحاب القطع المتفرقة أي لما رأى السواد من الجيش مخالطه بياض الحديد انكسر فأمر عينيه لأنهما تريان الواحد أسود أبيض. والقزع من الغيم ما هو أبيض رقيق وأسود أيضًا وهو من الأضداد.
قال أبو القاسم: معنى البيت أن الدمستق ظن بعسكر سيف الدولة وهو على الغيب قلة الجمع ونزارة العدد فلما طلعت عساكره بسواد زحزفها وكثرة جموعها ذم ما ظن وخطأ ما قدّر. والقزع القطع من السحاب فحسب، وفيه أنشد ابن السكيت: إنَّا إذا قَلَّتْ طَخارير القَزَع وقال ذو الرمة يصف قانصًا على رأسه أنباذ شعر:
مُقَزَّعٌ أطلسُ الأطمارِ ليسَ لهُ ... إلا الضِّراءُ وإلا صَيدها نَشَبُ
وذكر ابن دريد أن القزعة القملة الصغيرة وقالوا قُنْزُعة الديك هي فُنْعُلَه.
وقال المتنبي:
أُحِبُّكِ أو يقولوا جَرَّ نَمْلٌ ... ثَبيرًا وابنُ إبراهيمَ رِيعا
قال أبو الفتح: وهذا كقول الطائي:
وَمَكارِمٍ عُتْقِ النِّجارِ تَليدَةٌ ... إن كان هَضْب عَمايَتَينِ تَليدا
قال أبو الفتح: فكان لا يُشك أن هضب عمايتين قديم كذا لا يُشك في مكارمه.
قال أبو القاسم: ليس بين البيتين تشابه أما بيت المتنبي فمعناه أحبك أبدًا فعلق تأبيد حبه بما علق، وأما قول أبي تمام فإن معناه أن الممدوح على سمت أوليه وأسلافه ومكارمه موروثة قديمة. لا كمن سما أصله وسقط فرعه. كقدم هذين الجبلين قال زهير:
ومَا يَكُ مِنْ خَيْر أتوهُ فإنَّما ... تَوارَثَهُ آباءُ آبائِهِمْ قَبْلُ
وَهَلْ يُنْبِتُ الخَطِّيَّ إلا وَشيجُه ... وتُغْرَسُ إلا في مَنابِتِها النَّخْلُ
وأنشد الجاحظ في الحيوان:
وَقَدْ عَرَفَتْ كِلابُكُم ثيابي ... كأنّي منكمْ وَنَسيتُ أهلي
نَمَتْ مِنكَ في بني شَمْجى فُروعٌ ... لها ما شئتَ من فَرْعٍ وأصْلِ
والمتنبي في هذه القصيدة ذكر بيتا وهو يتبع موطئ قدم الطائي إلا أن سرقته غير مرتضاة وهو:
ذراعنا عدوًا دملجيها ... تظن بزندها زندًا ضجيعا
وقال أبو تمام:
ظلمتك ظالمة البرين ظلوم ... والظلم من ذي قدرة مظلوم
وقال المتنبي:
وخصر تثبت الأبصار فيه ... كأن عليه من حدق نطاقا
قال أبو الفتح: تثبت أي تؤثر لنعمته وبضاضته وتحدق به من كل وجه فتصير حوله كالنطاق وهو الخيط الذي يشد به الوسط.
قال أبو القاسم: قول أبي الفتح تثبت تؤثر ليس الثبات من التأثير في شيء، والبضاضة لا توصف بها الخصور وإنما هي صفة الواعد والأرداف قال عمر بن أبي ربيعة:
حسروا الأكمة عن سواعد بضة ... فكأنما عليه من حدق نطاقا
وإنما توصف الخصور بالدقة والاندماج كما سمعت الشعراء يقولون:
عجزاء ممكورة خمصانة قلق ... عنها الوشاح وتم الجسم والقصب
وقال الآخر: هيف الحضور قواصد النبل قتلننا بذا حظ نجل ومعنى البيت أن أبصار الناظرين تثبت على رؤية خصرها لاندماجه وحسنه فلا تزول عنه إعجابًا به واستحسانًا له. كما قال ابن المعتز في نعت الوجوه:
منظره قيد عيون الورى ... فليس خلق يتعداه
وقال أبو تمام:
لها منظر قيد النواظر لم يزل ... يروح ويغدو في خفارته الحب
وقال المتنبي:
يحاجي به ما ناطق وهو ساكت ... يرى ساكتًا والسلف عن فيه ناطق
قال أبو الفتح: يحاجى به أي يغالط ويعابي.
قال أبو القاسم: الأصل في ذلك أحجية العرب وأدعيتهم والجمع أحاجي وأداعي وهي الأغلوطة يتخاطبون فيما بينهم بها، وأخبنا أبو سعيد السيرافي عن أبي بكر بن مجاهد عن محمد ابن الجهم عن الفراء عن أبي ثروان في أحجية العرب وهي ما ذو ثلاث آذان يسبق الخيل بالرديان قال هو السهم وآذانه قذذه الثاث. وأنشد الباهلي في الأبيات:
1 / 15