فتجهم مصطفى باشا وقال: هل أنت مفوض بهذا الحديث! - نعم، السفير يتحاشى أن يجتمع بكم كثيرا حتى لا يجعل سببا لاتهام أعدائكم لكم. ولكنه يود أن يعلم متى تنفذون وعودكم. - يالله! أما كفاه أننا فصلنا الدين عن السياسة، وألغينا التعلم الديني أو حصرناه بفئة رجال الدين الذين جعلناهم تحت سلطتنا، وألغينا المحاكم الشرعية، ورفعنا الحجاب عن المرأة، ومنعنا تعدد الزوجات. أما كفى كل هذا؟ - فعلتم كل ذلك، ولكنكم لم تعلنوه، كأنكم تهابون مغبة إعلانه. فمتى تعلنونه؟ - تدريجيا. أما أعلنا نزع السلطة الزمنية من الخليفة! - ولكن العالم الإسلامي لا يزال يتطلع إلى منصة السلطة التركية كالركن المتين أو الحمى المنيع. ولهذا ترى أغا خان وأمثاله لا يزالون يشدون إزر الخليفة ويطالبون برد السلطة الزمنية له. والخليفة بما له من أمثال هذه المؤازرة يكيد المكايد ويدس الدسائس وينقب تحت أساس جمهوريتكم حتى يقلبها رأسا على عقب.
فانتفض مصطفى باشا كمال وازبأر شعر رأسه، وقال: ويحك! ماذا تقول؟ - أقول: إن مؤامرة عظيمة تدبر لأجل هدم الجمهورية، وستسمعون دولتكم خبرها في حينها. - أخبرني الآن ماذا تعرفه عنها، من هم القائمون بها! - ليس الآن يا باشا، ليس الآن، بل حين أستوفي معلوماتي، وإنما أقول لك: إن فريد باشا الدماد زنبلكها. - والسلطان وحيد الدين؟
فوجم رجاء الدين عن الكلام، ثم قال: يكفي الآن يا دولة الباشا أن تعلم أن هناك مؤامرة، وحين تنضج تطلع عليها جيدا، فلا تتعب نفسك كثيرا في البحث عن ذويها، لا تكسر البيضة قبل أن ينضج الجنين، وإلا فلا تستطيع أن تقتل «الكتكوت» ولا «الفرخة» ولا الديك، فمهلا، وإنما يجب أن تقتل الديك أخيرا وإلا ... - لا تكلمني ألغازا. - بل أكلمك بصراحة يا دولة الباشا، يجب أن تقطع الرأس. - أجل، أنا عالم أننا سنضطر إلى خلع الخليفة الحالي عبد المجيد.
فضحك رجاء الدين وقال: لا لا. هذا وحده لا يكفي. - وسننفي كل من يشد أزره أو يلتف حوله. - لا لا. كل هذا لا يفيد شيئا يا دولة الباشا؛ تخلعون خليفة فيأتي خليفة آخر. - إذن! - يجب إلغاء الخلافة برمتها، كما ألغى لنين البطركية بتاتا وكما ألغت فرنسا الدين والإكليريكية والرهبنات.
فاختلج مصطفى كمال، وقال: ويحك يا هذا! إن الخلافة رأس ثلاث مائة مليون مسلم. فهل تريدون أن أقطع رأس ثلاث مائة مليون مسلم! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. - نحن قطعنا رأس مائة وثمانين مليون أرثوذكسي، وسنقطع رءوسا أخرى. وإلا فكيف يتحرر العالم من قيود التقاليد القديمة لكي يستطيع أن يرتدي رداء المدينة الجديدة.
فبهت مصطفى كمال. قال: هل أنت أرثوذكسي؟ - كلا، بل أنا تركي مسلم. ولكني الآن موظف بلشفي. فبأمر سيدي السفير البلشفي أتكلم، وباسم البلشفية أقول.
فكان لفظ البلشفية يعبر في مسمعي مصطفى كمال الجبار كعبور كهرباء السمك الرعاد في بدن فريسته.
وبعد بهته هنيهة قال: إن سفيرك يطلب مني أن أحمل نقمة ثلاثمائة مليون مسلم على رأسي. - لا بأس يا باشا، إن لنين حمل نقمة ألف وخمسمائة مليون آدمي على رأسه. سمعا يا سيدي الباشا، إذا لم تستطع أن تحمل نقمة فريق من الناس، فكيف تتوقع لقب إمبراطور تركيا وتركستان؟
فانتفض مصطفى كمال وقال: ويلك، لا تجربني أيها الشيطان. من قال لك: إني أتوقع ... - التاج الطوراني؟ أجل، إذا لم تتوقعه فهو يتوقعك. إن نابليون لم يكن يتوقع أن يأخذ التاج من يد البابا ويضعه على رأسه، يا نابليون طورانيا العظمى.
فحملق فيه مصطفى كمال وقال: تبا لك من رجيم مجرب. كيف تظن أني أتشبه بنابليون.
अज्ञात पृष्ठ