ألا ترون إلى «كاميل فلاماريون» مثلا كيف عاقب نفسه بغرامة وقد كان قاضيا فأصدر على نفسه حكما كما يصدره على عامة الناس.
ألم تسمعوا قصة القاضي الذي أهانه ابن مليكه وهو في منصة القضاء؛ فزج به في السجن؛ فلما علم الملك بذلك فرح أشد الفرح وقال: «الحمد لله الذي جعل في بلادي قضاة يقيمون العدل حتى على ولدي نفسه!» •••
هذه - أيها السادة - أمثلة عملية قليلة من أمثلة كثيرة يجدر بمن يتصدون للنصح أن يتخذوها نموذجا لهم؛ ليكونوا جديرين بوعظ الناس وإرشادهم، فإن الناس يستفيدون من النموذج العالي أكثر مما يستفيدون من الحكم والمواعيظ الخطابية.
وفي قدرة كل منكم أن يكون مثلا أعلى لأبنائه، وأفراد أسرته، وعشيرته، وجيرانه؛ ليقلدوكم في ذلك. •••
وأنا أضرب لكم مثلا يبين لكم فائدة هذه النماذج الصالحة: وجدت أبي - وأنا طفل - لا يكاد يترك الكتاب من يده، فأحببت أن أكون مثله وقلدته في ذلك حتى أصبح ذلك دأبي إلى الآن، وانقلب التطبع طبعا أصيلا، ووجدته يصل الرحم فقلدته في ذلك، ولو رأيته - على عكس هذه الصفات - لقلدته فيها كذلك، وما أصدق قول القائل:
مشى السرطان يوما باعوجاج
فقلد شكل مشيته بنوه
فقال: علام تنحرفون؟ قالوا:
بدأت به فنحن مقلدوه
فخالف سيرك المعوج واعدل
अज्ञात पृष्ठ