8
قال حرب بن أمية لعبد الله بن جدعان: ما رأيت كغلامك الرومي هذا ذكاء قلب، ونفاذ بصيرة، وبراعة في التجارة، ومهارة في تثمير المال.
قال عبد الله بن جدعان: أما إذا قلت هذا فإني لا أدري أعربي هو سبته
85
الروم صبيا حين أغارت على أرض الفرس كما يقول، أم رومي هو سبته العرب حين أغارت مع الفرس على أرض الروم كما يقول الكلبيون الذين باعوه لي عام أول في الشام.
قال حرب بن أمية: إن فيه حمرة لا تعرفها العرب، وإن لسانه يرتضخ لهجة رومية طالما سمعت مثلها في كثير من أهل الشام، فليكن عربيا أو ليكن روميا فليس لذلك شيء من الخطر، ولكني لم أر مثله قط ذكاء قلب ونفاذ بصيرة وحسن نظر في التجارة وتثمير المال، لقد رأيته في رحلتنا تلك إلى اليمن وحين عبرنا البحر إلى بلاد الحبشة شيطانا من الجن يتنسم
86
مصادر الربح وموارد الكسب، وينبئنا غير مكذب بأنا إن ذهبنا إلى هذا الوجه أو أقمنا في هذه القرية بعنا كأحسن ما يكون البيع، وشرينا كأحسن ما يكون الشراء، ولست أدري كيف تنسم ريح الربح في بلاد النجاشي، فاتصل برجال أمثاله لا يحسنون لغتنا ولكنهم يتعاطون فيما بينهم رطانة رومية، فباعهم كل ما كان معنا، واشترى منهم ما لم نكن نطمع في شرائه ولا نقدر على حمله، واحتال حتى أعادنا إلى مكة في السفن التي تمخر البحر لا على ظهور الإبل التي تسبح في البر، وأشد من ذلك وأدنى غرابة من ذلك إلى العجب أنه ألقى في روع
87
أولئك الناس أنهم يستطيعون إن شاءوا أن يرسلوا رسلا منهم يحملون ما يحتاجون إليه من المال؛ ليشتروا منا إذا بلغنا أرضنا ما يملئون به سفنهم حتى لا تعود إلى مستقرها فارغة، فأغنانا في موسم واحد عن رحلتين، بل عن أكثر من رحلتين.
अज्ञात पृष्ठ