قال أبو حذيفة: حسبك؛
30
فقد أسرفت في الثناء، أقبل علي إذا كان المساء فتزوج، ثم تحول بأهلك إلى دارك الجديدة، وعسى ألا ترى فيها إلا خيرا. •••
ولم يكد ياسر يتحول بسمية إلى داره حتى غفل عنه التاريخ دهرا طويلا، كما تعود أن يغفل عن الدهماء
31
حين تحيا وحين تموت وحين تلم بها الأحداث وتختلف عليها الخطوب. وماذا عسى أن يصنع التاريخ بفتى من عامة الناس ودهمائها، ليس له خطر في مكة ولا مكانة في قريش، وإنما هو غلام أجنبي حليف، يعيش كأمثاله من هذه الأخلاط التي كانت تعيش في مكة ساعية إلى رزقها أيسر السعي، تكسب القوت ما وجدت إليه سبيلا، فإن أعياها كسبه وجدت حاجتها عند أحلافها من سادة قريش. وهي مع ذلك آمنة على أنفسها وعلى ما أتيح لها من مال، لا يعدو عليها عاد ولا يسعى إليها مكروه.
وكان التاريخ في ذلك الوقت، كما كان في أكثر الأوقات، أرستقراطيا لا يحفل إلا بالسادة، ولا يلتفت إلا إلى القادة. وكان التاريخ في ذلك الوقت، كما كان في أكثر الأوقات، ضنينا
32
بخيلا ومستكبرا متعاليا، يحفل بالسادة في تحفظ ويلتفت إلى القادة في كثير من الاحتياط، لا يسجل من أمرهم إلا ما كان له شأن أو خطر. وآية ذلك أنه لم يسجل من أمر قريش في تلك العصور إلا أطرافا يسيرة ضئيلة لا تكاد تظهرنا من أمرهم على شيء؛ كأن التاريخ كان يراها أهون شأنا وأيسر خطرا من أن يمنحها عنايته، وكأنه كان يرى قياصرة الروم وأكاسرة الفرس وقادة أولئك وهؤلاء وسادتهم أحق بعنايته وأجدر برعايته وأحرى أن يقف عندهم ويبلو
33
अज्ञात पृष्ठ