विक्टोरिया
فكتوريا: ملكة الإنجليز وإمبراطورة الهند
शैलियों
ومنذ ثلاث سنوات احتفل أهل مدينة بيبدي بأميركا بعيد مائة سنة من يوم ميلاده، فبعثت إليهم الملكة رسالة برقية تقول فيها: «إن تذكار جورج بيبدي لم يزل يتجدد في قلبي وقلب شعبي بالشكر الجزيل لما له من المبرات المقرونة بالكرم والفضل.» فملكة مثل هذه تنهض همم المحسنين وتحيي آثارهم، توجدهم من العدم وتجعل المال في أيدي الأغنياء آلة للبر والإحسان بدلا من أن يكون آلة للشر والفساد.
ومما يذكر في هذا الصدد أنه لما نشبت الحرب الأخيرة بين فرنسا وبروسيا جمع الإنكليز الصدقات والإعانات وبعثوا بها إلى فرنسا على جاري عادتهم، فكتب الفرنسيون ألف عريضة من عرائض الشكر، وأمضوها باثني عشر مليون إمضاء وجلدوها أربع مجلدات كبيرة وقدموها إلى الملكة مع وفد من عظمائهم، ولا يعرف الفضل إلا ذووه.
والارتقاء الصحيح سلسلة محكمة الحلق، فلما زادت المستعمرات واتسع نطاق التجارة دعت الحال إلى تقوية العمارة البحرية لكي تحمي السفن التجارية والمستعمرات النائية، ولما استوت الملكة فكتوريا على سرير الملك كانت إنكلترا سلطانة البحار، وكانت أساطيلها قد قهرت أساطيل فرنسا وإسبانيا والدنمارك، ولم يبق لها ند في المسكونة، ومضت ستون سنة والدول تجد وتسعى في مناظرتها، ولا تزال سلطانة البحار ولا يزال أسطولها يغالب أساطيل كل الدول التي يمكن أن تجتمع عليها فيغلبها، لكن بوارجها التي محقت بها أسطول بونابرت في أبي قير تعد كالعصافة أمام البوارج التي بنتها في هذه الأعوام، فقد استعرضت بوارجها سنة 1814 أمام إسكندر الأول قيصر الروس وفردرك وليم ملك بروسيا، وكانت أربع عشرة من النوع المسمى ببوارج المصاف وإحدى وثلاثين فرقاطة، وكان علم أمير البحر حينئذ على بارجة محمولها 2270 طنا، وفيها 98 مدفعا كبيرا و10 مدافع صغيرة وأكبر مدافعها وزن قنبلته 32 ليبرة، واستعرض الأسطول الإنكليزي في الصيف الماضي وقت يوبيل الملكة فكان فيه اثنتا عشرة بارجة من البوارج المدرعة بنيت منذ أقل من عشر سنوات ست منها محمول، كل بارجة منها خمسة عشر ألف طن وسرعتها 18 ميلا بحريا في الساعة، ويمكنها أن تقيم في عرض البحر دائما مهما كان النوء شديدا ولا تضطر أن تلجأ إلى مرفأ، وليس في أساطيل الدول الأوروبية والأميركية كلها ست بوارج مثل هذه، ومدافعها من أحدث المدافع المصنوعة من أسلاك الفولاذ، وثقل المدفع منها 46 طنا وثقل قنبلته 850 رطلا، إذا أصابت حائطا من الفولاذ سمكه متر خرقته كما تخرق الرصاصة لوح الخشب الرقيق، وكان الإنكليز قد صنعوا مدفعين ثقل كل منهما 111 طنا لكنهم وجدوا هذه المدافع أقوى فعلا، وبعد هذه الستة البارجة المسماة رينون وهي أسرع منها سيرا ثم خمس بوارج كبيرة المدافع ثقل كل مدفع من مدافعها 67 طنا، وثقل قنبلته 125 رطلا، أما البوارج التي بنيت منذ أكثر من عشر سنوات إلى عشرين سنة فعرض منها ثمان بوارج ومنها البارجة دفاستاشن المرسومة في [شكل
11-1 ] وهي أصغرها، فإن محمولها 9330 طنا ولكنها إذا قوبلت بها البوارج الحربية التي كانت عند الإنكليز في أول حكم الملكة باتت أمامها كالولد الصغير أمام الجبار الكبير، وفي هذه البوارج من الآلات البخارية والكهربائية ومن أحكام الصناعة الهندسية ونتائج العلوم الطبيعية ما لو قيست به معارف الناس منذ ستين عاما لبانت كالمصباح الضئيل أمام شمس الظهيرة، وهذا الارتقاء الهندسي والصناعي غير خاص بإنكلترا ولكن نصيبها منه أعظم من نصيب غيرها؛ لأنها تفوق كل الممالك في الصنائع الهندسية ولا سيما في بناء البوارج الحربية والسفن البخارية.
شكل 11-1: البارجة دفاستلشن.
وأبلغ من تقدمها العقلي والمادي تقدمها الأدبي والاجتماعي، فأخص ما يمتاز به حكمها تعميم الحرية والمساواة حتى يشترك في خيرات ممالكها كل أحد من رعاياها كبيرا كان أو صغيرا، غنيا أو فقيرا. وكل بلاد ارتفع فيها العلم البريطاني صارت مقصدا للناس على اختلاف أجناسهم يقصدونها للارتزاق والاتجار فتساوي بينهم كأنهم من رعاياها. وقد منحت كندا وأستراليا وزيلندا الجديدة وبلاد الراس حكومة نيابية تكاد تكون مستقلة في كل شيء، بل صار النساء ينتخبن أيضا للنيابة في بعضها، ولا يبعد أن تشمل الحكومة النيابية أقسام بلاد الهند فتصير السلطنة الإنكليزية كلها مجموع ولايات مستقلة تربطها رابطة الحرية الشخصية والمصلحة العمومية.
وخلاصة الكلام أن الملكة فيكتوريا سادت على قلوب شعبها بمزايا حكمها، فإذا ذكرت الفتوحات وضخامة الملك «كان الإسكندر وقيصر ونابوليون بونابرت دونها كثيرا ؛ لأنه لم يحكم أحد منهم على ربع أهل الأرض مثلها، ولا أنشأ سلطنة لا تغيب الشمس عنها مثل سلطنتها، وإن ذكر المجد والغنى وعظمة الشأن لم يقم في الأرض ملك بلغت مملكته ما بلغت مملكتها في ذلك كله، وإن ذكرت العدالة والحرية ولا سيما الحرية الدينية، فأي ملك يشبه فكتوريا وهي الملكة المسيحية التي يخضع لها نيف وستون مليونا من المسلمين ومعظم الإسرائيليين وأكثر من 260 مليونا من الوثنيين؟ فهي الأولى بين الملوك والسلاطين في كثرة رعاياها المسلمين، والثانية في كثرة رعاياها الوثنيين، والثالثة في كثرة رعاياها المسيحيين، وكلهم أحرار في ديانتهم وعبادتهم وعوائدهم وآرائهم وأقوالهم. وكل بلادها وممالكها مفتوحة الأبواب للغريب ليستوطنها ويتاجر فيها ويكسب منها بلا امتياز لأهلها عليه خلافا لما تفعله الممالك الأخرى. وإذا ذكرت الأريحية والمروءة لإغاثة الملهوف وإجارة المرهق والعطف على المنكوب، فإنكلترا بلاد الصدقات والمبرات والحسنات بلا خلاف.
فلا غرو إذا كانت هذه منزلتها عند قومها، ولا عجب إذا استعظمها كل محب للعدل والحرية والتمدن والتقدم، وود أن يكون تقدم بلاده كتقدم بلادها وأحكام مملكته كأحكام مملكتها.»
الفصل الثاني عشر
يوبيل ألماس
अज्ञात पृष्ठ