विक्टोरिया
فكتوريا: ملكة الإنجليز وإمبراطورة الهند
शैलियों
ولم تكتف بتعليم أولادها وتهذيبهم بل عودتهم هي وزوجها تحمل المشاق من صغرهم؛ لكي يرثوا للرعية، فكان الصبيان يعملون مع العمال في بستان قصر وندزور، ويأخذون أجرة مثلهم، وبنوا مرة حصنا بأيديهم وضربوا له الآجر وشووه أيضا، وكانت البنات يتمرن على كل الأعمال المنزلية حتى الطبخ، وكن يطبخن ويوزعن ما يطبخنه على الفقراء، وكانت الملكة تمضي بأولادها إلى المعابد في أوقات العبادة وتنتبه إلى مواعظ الواعظين أشد الانتباه وتستفيد منها، قالت مرة في يومياتها: «وعظنا القس كيرد المحترم وهو من أشهر الوعاظ في سكتلندا، فأبان لنا أن الديانة الصحيحة تتغلب على كل أعمال الإنسان، لا تقتصر على القيام بالفروض الدينية، ولا تمنع معاملة الناس، بل تجعل صاحبها صالحا في كل أعماله.» وقد مدحت هذه العظة وأمرت بطبعها على نفقتها.
ودخلت سنة 1861 والحزن بين يديها فتوفيت فيها أم الملكة فحزنت عليها الملكة وزوجها وأولادهما حزنا شديدا، وكان البرنس قد أصيب بألم عصبي في وجهه، فجاء موت حماته واهتمامه الشديد بتوزيع تركتها؛ لأنها أقامته وصيا عليها ضغثا على إبالة، ثم بلغه أن الحمى التيفويدية دخلت بلاط ملك البرتغال فأماتت الملك وأخاه، وكان هذا الملك صديقا حميما له، فحزن عليه حزنا شديدا، وجعل يفكر في زوال الدنيا ودنو الأجل، وقال للملكة: لو عرفت أن أحبائي الذين أتركهم يعتنى بهم الاعتناء الواجب لقلت إني مستعد لمفارقة هذه الحياة غدا.
وكانت جراثيم الحمى التيفودية قد دخلت بدنه من حيث لا يدري، وحاربت جيوش الكريات الدموية وتغلبت عليها فلزم فراشه أياما وهو يزداد ضعفا وسقما والملكة قائمة على خدمته بنفسها لا تفارقه ساعة، ولما دنا الأجل اجتمع أولاده في غرفته وركعوا حول سريره هم ووالدتهم، فتنفس النفس الأخير وفاضت روحه إلى باريها، ولا تسل عما شمل البلاد الإنكليزية من الدهشة والكآبة، أما حزن الملكة عليه فلا يصفه لسان ولا يعبر عنه قلم، وقفت في أول الأمر حيرى وقد جفت الدموع من عينيها فخاف الأطباء من ذلك وأوجسوا شرا، ثم احتضنت ابنتها الصغرى ففاضت عيناها بالدموع وجرى الحزن مجراه الطبيعي، ولولا ذلك لقضي عليها. وقد تكرر هذا المصاب على الملكة بموت ابن وابنة وحفيد، ولكن موت زوجها كان أشد مصاب عليها، ولم تبرأ نفسها من أثره حتى الآن، وتزوج أولادها بعد ذلك وتوالت عليها أسباب الهناء والسرور، لكن حزنها لم يفارقها ولو لم يصرفها عن القيام بمهام ملكها والاهتمام بشأن أولادها.
شكل 8-1: الملكة فكتوريا تكلم ابنة صغيرة في مستشفى لندن.
وتعلمت من هذا المصاب الفادح أن ترثي لكل مصاب من رعاياها ومن غيرهم، وقد انتبه المصورون لذلك فصوروها وهي تزور المستشفيات وتكلم المرضى وتواسيهم وترثي لمصابهم كما ترى في [شكل
8-1 ]، وقد حدث ذلك في مستشفى لندن سنة 1876؛ فإنها كانت تطوف في غرف ذلك المستشفى يوما ما وبلغ ابنة صغيرة أنها هناك فجعلت تنادي بأعلى صوتها دعوني أر الملكة، فإن رأيتها زال ما بي من المرض، وبلغ الملكة ذلك فأسرعت إليها وأخذت بيدها وجعلت تكلمها باللطف والدعة كما ترى في [شكل
8-1 ]، وصوروها أيضا وهي تصنع الأحرمة بيديها كما ترى في [شكل
8-2 ] لتبعث بها إلى المرضى في المستشفيات، ذلك فوق الأموال الطائلة التي تجود بها كل سنة على المعوزين، نعم إن حراما تصنعه لا يدفئ المتدثر به أكثر من حرام يصنعه غيرها، ولكن في هذا الصنيع فائدة لا تقدر للأمة كلها؛ لأن الناس على دين ملوكهم، فإذا رأوا هذا الفضل وهذا الاهتمام من ملكتهم أخذوا إخذها وجروا على خطتها.
شكل 8-2: الملكة فكتوريا وابنتها البرنسس بينرس تصنعان أحرمة لمستشفى ننلي.
الفصل التاسع
अज्ञात पृष्ठ