125

يسلمه إلى المولى.

ويمكن أن يقال : إن الأفعال مختلفة ، فبعضها لا ينسب إلا إلى فاعله كالأكل والشرب ونحوهما. وبعضها ينسب إلى المباشر وإلى السبب كالقتل والإتلاف والضرب وشبهها، وبعضها ينسب إلى الغير مع عدم كونه مباشرا ولا سببا وهو كل فعل كان تقومه بالقصد فجيء به بقصد الغير مع رضى هذا الغير وتقبل المولى ، ففي هذه الأفعال لا بد من الالتزام بأن الفاعل يوجد القصد بالاختيار لملاحظة المصالح والفوائد التي يراها في نفسه لا لملاحظتها في المتعلق.

ولهذا يكون الحق مع من قال بأن الإرادة صفة نفسانية وراء العلم بالصلاح ؛ إذ لا يمكن إيجاد العلم اختيارا ولو كان فيه ألف مصلحة ، بل يلزم التناقض فيما لو كان شاكا في صلاح وفساد أصل الفعل ، وإيراد التسلسل بأن الإرادة لو كانت اختيارية لزم أن يكون مسبوقة بإرادة اخرى وهكذا ، مدفوع كما عرفت في أوائل الكتاب بأن الإرادة الثانية موجودة لمصلحة في المتعلق وهو الإرادة الاولى ، وهي موجودة بالإرادة الثانية.

وبالجملة ، ففي هذا القسم من الأفعال لو رأى الفاعل النفع في أن يقصد العنوان لأجل الغير فقصده لأجله ، فلا يعقل بعد لحوق الإمضاء والتقبل ممن بيده ذلك وهو المولى عدم ترتب أثر كان مترتبا على الفعل الصادر من شخص الغير.

مثلا عنوان التعظيم لا شك في أنه يحتاج في تحققه إلى القصد ، فحط الظهر مثلا في حد ذاته كما قد يكون تعظيما ، كذلك قد يكون توهينا ، وقد لا يكون هذا ولا ذاك ، فهو في مرتبة الذات خال عن جميع العناوين الثانوية ، وإنما يتمحض لأحدها بالقصد ، فلا بد أن يوجد النفس القصد ويضمه إلى الفعل حتى يصير المجموع منشأ لعنوان التعظيم ، ولا بد وأن نلتزم بأن هذا القصد يوجدها النفس اختيارا لمصلحة في نفسه لا في المقصود ؛ إذ العمل في حد نفسه مردد بين التعظيم والتوهين ، وهذه المصلحة هو القرب من المعظم له.

إذا عرفت ذلك فنقول : لا شك في أن الأغراض مختلفة ، فكما أنه قد يرى

पृष्ठ 128