فعندما نقول: "هذه قضية بديهية"، فالمراد أن العقل يجزم بأنها صادقة، ومطابقة للواقع، بغير أن يحتاج إلى أي دليل على ذلك. بل يكفيه أن يفهم القضية فهما دقيقا، ليجزم جزما لا ظن فيه، أن هذه القضية صادقة. وذلك نحو معرفة صدق القضايا التالية:
الشيء لا يكون غيره.
لا يجتمع النقيضان ولا يرتفعان.
البعض أصغر من الكل.
الترجيح بلا مرجح باطل.
الظلم قبيح.
الكذب قبيح.
فتلك بعض القضايا التي يكفي في التحقق من صدقها فهمها فهما سليما من قبل العاقل.
أما القضية الاستدلالية، فهي القضية التي يحكم العقل بصدقها معتمدا على دليل. ولا بد من أن يكون الدليل راجعا في آخر الأمر إلى القضايا البديهية. فعندما نقول: "محمد رسول الله"، فإننا نضع قضية صادقة، ولكنها تحتاج إلى أدلة لثبوت صدقها. والقضايا الاستدلالية نحو:
لا يوجد شيء بعد أن كان عدما إلا بفعل فاعل.
كل جسم مسبوق بعدم.
الاشتراك بين ذاتين في صفة ذاتية يوجب الاشتراك في جميع الصفات.
يقبح فعل القبيح بغير النظر إلى فاعله.
فهذه قضايا صحيحة، ولكن صحتها يحتاج إلى وضع أدلة لذلك.
فعندما نقول إن العقل يمكنه أن يعرف الله، إنما نعني بالتحديد: إنه بإمكان العقل من خلال القضايا البديهية التي لديه، والقضايا الاستدلالية الصحيحة، أن ينسب إلى الله تعالى الصفات اللائقة به، وأن ينفي عنه تعالى الصفات غير اللائقة به. وصحة هذا الأمر واضحة للناظر المحقق المنصف، ويقر بذلك كل تقي يريد الله حقا.
وأود أن أقف على آخر قضيتين من القضايا البديهية، لأنهما أساسيتان في تنزيه الله عن القبائح، ويساء فهمهما لدى كثير من الناس.
مسألة الحسن والقبح العقليين
هاتان القضيتان عولجتا في كتب أصول الدين ضمن باب بعنوان "الحسن والقبح العقليين".
وقد وقع خلاف حوله؛ فهناك من قال به، وصححه، وعمل به؛ وهناك من رده، وأنكره، ولم يعمل به.
خلاصة هذه المسألة التي لها تفاصيل في الكتب الموسعة هي ما يلي:
पृष्ठ 33