المنع من تحصيل معرفة الله ومؤدى كونها أهم الواجبات هو أن الواجب علينا قبل أن نسعى للحصول على معارف سلوكية، السعي نحو الحصول على المعرفة بالله تعالى. وهذه قضية يغفل الناس عنها، فيجعلون معرفة الله تعالى من الأمور الكمالية، أو حتى من الأمور التي لا طائل من ورائها؛ بل يصل بعضهم إلى الحد الذي يقول: بأن البحث في أصول الدين يورث الظلمة في القلب.
ولعل السبب من وراء مثل هذه المواقف هو مناهج التأليف في أصول الدين؛ فكثير منها يبحث في الله جل جلاله بأسلوب لا يليق بعظمته وكبريائه؛ ثم الكثير منها يبجث فيها بأسلوب علمي محض يخلو من أي روحانية.
ولكن يجب أن ندرك بأن طبيعة أي علم يبحث عن الدقة في التعبير، هو كونه موضوعيا، وخلوه من أي عناصر ذاتية إلى أقصى حد ممكن. وكتب أصول الدين إنما وضعت لتعرف الإنسان بربه معرفة حقة. وهذه معرفة خطيرة تعجز اللغة العلمية الصارمة عنها، فكيف نطالب علماء الأصول بوضعها في قوالب لغوية أخرى فيها ليونة ونعومة. ثم كون مناهجها فيه قصور بالنسبة لبعض الأشخاص، لا يعني عدم جدوى كل ما فيها.
أما العلاقة الروحية بالله تعالى، فلا تتعلق بأسلوب هذا العلم، إنما تتعلق بالمتلقي له. فهناك من يتلقى هذه المعرفة كعلوم عن الواقع، يريد منها معرفة الصواب فيها، أو معرفة رأي طائفته فيها. وهناك من يتلقاها كعلوم يريد من خلالها أن ينزه الله جل جلاله عما لا يليق به. فالأول لن ينتفع بها، والثاني فسينتفع، لأنه يريد ذلك.
نعم قد تناولت بعض الكتب، موضوع الله تناولا فلسفيا، أو اجتماعيا، أو سياسيا، وليس تناولا دينيا؛ وهؤلاء أخطأوا، وهم قد يكونوا المشار إليهم من اعتراض المعترض، وسأفصل المراد بذلك في أول الحديث عن صفاته تعالى.
أيضا هناك من يمنع من معرفة الله بدعوى قصور العقل البشري عن معرفته تعالى.
पृष्ठ 26