उस्तुरा वा तुराथ

सैयद क़िमनी d. 1443 AH
165

उस्तुरा वा तुराथ

الأسطورة والتراث

शैलियों

والكتاب المقدس في حديثه عن مجيء كل ملوك الأرض ليسمعوا من «سليمان» حكمته، نجده على غير عادته في التفصيل والتدقيق والتكرار، لا يذكر لنا سوى خبر عن ملكة منكورة، لا يعلم التاريخ من أمرها شيئا، يقول فيه: «سمعت ملكة سبأ بخبر سليمان لمجد الرب، فأتت لتمتحنه بمسائل. فأتت إلى أورشليم بموكب عظيم جدا، بجمال حاملة أطيابا وذهبا كثيرا جدا وحجارة كريمة. وأتت إلى سليمان وكلمته بكل ما كان بقلبها. فأخبرها سليمان بكل كلامها ... فلما رأت ملكة سبأ كل حكمة سليمان، والبيت الذي بناه، وطعام مائدته، ومجلس عبيده، وموقف خدامه وملابسهم، وسقاته، ومحرقاته التي كان يصعدها في بيت الرب، لم يبق فيها روح بعد، فقالت للملك: صحيحا كان الخبر الذي سمعته في أرضي عن أمورك وعن حكمتك، ولم أصدق الأخبار حتى جئت وأبصرت عيناي، فهو ذا الصنف الذي لم أخبر به ... فانصرفت، وذهبت إلى أرضها» (ص10).

وهنا أيضا نظر وملحوظات

الملحوظة الأولى أن النص لم يذكر اسم الملكة أصلا، والثانية أن التعبير «وكلمته بكل ما كان بقلبها»، إنما كان يعني «بكل ما كان يدور في خاطرها من استفسارات؛ لتمتحنه بمسائل»، إذ كان مظنونا آنذاك أن القلب مركز التفكير، وهو ما يشهد به الكتاب المقدس نفسه في قول الرب لسليمان: «هو ذا أعطيك قلبا حكيما ومميزا»، لكن قراءة أخرى يمكن أن تحول الأمر إلى حديث عن الحب ولوعته، وربما استدعى مركز العاشقين إنهاء حالة الوجد بزواج ملكي عظيم، والملحوظة الثالثة هي ما جاء عن اسم هذه الملكة في التراث العربي «بلقيس»، مقارنا بما جاء في قول «إسحاق الأنطاكي» في القرن الخامس الميلادي، إن العرب كانوا يعبدون إلهة تدعى «بلتيس»، وقد ذكر «بلتيس» أيضا «بر على» في معجمه على أنها المعبود الكوكبي «فينوس » أو الزهرة، وأنها هي التي مثلوها في صنم العزى؛ ومن ثم يبدو أن اسم «بلقيس» لا يعدو كونه من بقايا العبادات الأسطورية القديمة، أما آخر أباطرة الحبشة «هيلاسلاسي» فكان يزعم أنه الحفيد الأخير في سلسلة أباطرة حكموا الحبشة، وأن هذا السلسال يعود بالبنوة إلى العلاقة التي قامت بين «سليمان» و«بلقيس»، بعد أن خلبت لبه بفتنتها، ولتأكيد علاقته بسليمان ملك اليهود، فقد استساغ لنفسه لقب «أسد يهوذا»، ولا يغيب عن فطن إمكان تحول الاسم «بلقيس» إلى «بلتيس»، نتيجة الخلط اللساني، وما اشتهر في الأسطورة: أن الزهرة كانت ربة فتنة وإغواء جسدي (ارجع للمزيد حول موضوعنا: الزهرة بين الخصب والحرب).

3

أما الملحوظة الرابعة، فهي بعد الشقة ما بين مملكة سبأ اليمنية وفلسطين، مرورا بصحراء عظمى في الجزيرة العربية، وصعوبة تصور الملكة تحتمل كل هذه المشاق، لمجرد أن تمتحن «سليمان» بمسائل! إلا أن حل المسألة هنا، نجده في كشف لمدرسة الآثاري «فرتز هومل»، التي ذهبت إلى أن القبائل التي كونت دولة سبأ اليمنية، كانت قبل نزوحها إلى اليمن، تسكن شرقي خليج العقبة، أي إنها كانت تسكن على الحدود الجنوبية لفلسطين الحالية،

4

وثمة دعم وجدناه لوجهة نظر «هومل» فيما جاء بالنصوص الرافدية القديمة، حول بدو أعراب يعيشون في مملكة يحكمها النساء. وأطلقت النصوص على هذه المملكة اسم «أريبي» أو «عريبي»، وأشارت إلى أنها تقع شرقي خليج العقبة، أو بالتدقيق إلى الجنوب الغربي من بلاد العراق.

5

وغير تلك الملكة المشغولة بحل المسائل، لا يحدثنا الكتاب المقدس عن استقبال البلاط السليماني لملك آخر من ملوك الأرض، والملحوظة الخامسة، فهي حول مجد وعظمة هذه المملكة، التي وصل خبرها إلى ملكة سبأ، وهو ما يعقب عليه الدكتور «أحمد سوسة» بقوله: «أما الوصف الذي اعتاد أكثر الباحثين ترديده عن اتساع وامتداد حدود مملكة سليمان، فيعده أكثر الباحثين من قبيل المبالغات التي درجت عليها دويلات تلك العصور، والحقيقة أن مملكة سليمان التي تبجح اليهود بعظمتها، كانت أشبه بمحمية مصرية مرابطة على حدود مصر، قائمة على حراب أسيادها الفراعنة، الذين كان أهم ما يهدفون إليه من وراء هذا الإسناد، حماية حدودهم الشرقية من غارات الأقوام الطامعة بمصر، وفي مقدمتهم الآشوريون، وكان سليمان يريد أن يجاري الفراعنة في البذخ، والظهور بما هو فوق طاقته وإمكانياته الاقتصادية، وذلك بإغداقه في إقامة الأبنية الشاهقة والقصور الفخمة، فأثقل كاهل الشعب بكثرة الضرائب، كما أثقل خزينة الدولة بالديون المتراكمة.»

6

अज्ञात पृष्ठ