وهنا انقطع الصوت وسمع صوت الباب يغلق، ولكن ما أغلق الباب حتى علا صوت الفتاة بالنحيب والزفير، وقد اشتد جزعها حينئذ؛ لأنها صار يخيل لها أن تينك اليدين الكريمتين الممدوتين اللتين ذكرتهما الراهبة إنما هما ممدوتان إليها. فكادت تجن من الخوف. فقصدت النافذة وهي تبكي وتطلب منفذا لخوفها وفتحتها بعنف؛ فلطمت النافذة رأس إيليا فأدمته، ولكن إيليا لم يبال حينئذ برأسه الدامي؛ بل دنا من النافذة وقلبه يخفق خفقانا شديدا، وقال باللغة العبرانية همسا - أنا آت من قبل أبيك أيتها السيدة.
وقد نطق إيليا بالعبرانية، وذكر للفتاة أباها؛ لكي يطمئن قلبها عند سماع كلامه، ولا يهولها منظره في ذلك الليل على حين فجأة.
فلما سمعت أستير لغتها واسم أبيها تركت البكاء بالحال وأصغت. ثم دنت من النافذة وقلبها يخفق خفقانا شديدا فوقع نظرها على إيليا؛ فعرفته من أول نظرة. فدنا إيليا وقلبه يكاد يفجر صدره من شدة خفقانه، وهمس قائلا - أيتها السيدة. أنا منتظر هنا، فبعد ساعتين ينام الجميع، فاخرجي بتأن من باب الحديقة أو من إحدى النوافذ.
فهنا تنفست أستير الصعداء؛ لتحققها الخلاص من أسرها والانضمام إلى أبيها، ولم تعد تخشى من اليدين الممدوتين لعلمها أن رجلا بجانبها. فبعد ساعتين تقريبا قرعت على النافذة مرتين دلالة على استعدادها للخروج، ثم خرجت تتسلل كأنها طيف، وبعد خمس دقائق ظهر شبحها في الحديقة.
فهرع إيليا حينئذ مضطربا ومسرورا معا. فقال لها: اتبعيني، ثم اتجه نحو جدار الحديقة. فلما وصل إليه خالج ذهنه وذهن أستير فكر واحد: وهو كيف تتسلق أستير ذلك الجدار. فارتعدت لهذا الفكر فرائص الفتاة وبقي الفتى مبهوتا. ذلك أن أستير لا يمكنها تسلق الجدار بدون مساعدة إيليا كحمله لها أو إنهاضها، وكيف يجوز ليهودية أن يمسها مسيحي خصوصا إذا كان ذلك في ظلمة الليل على انفراد. إلا أن إيليا انتبه بسرعة إلى حل لهذا المشكل، فإنه شاهد على أحد الأشجار في طريقه سلما صغيرا. فركض مسرعا إلى السلم فحمله وتسلقا الجدار عليه دون أن يشعر أحد من أهل الدير بخروجهما منه.
الفصل الحادي عشر
الصليب أهون من هذا
قصة أستير
ولما خرج الاثنان من الحديقة كان قلب الفتاة يرقص مسرة بالنجاة، وقلب إيليا يرقص اضطرابا لعاقبة صنعه هذا، وفرحا بإنقاذ فتاته، وإراحة ضميره. لكن ما خطت أستير بضع خطوات حتى سألت إيليا بصوتها اللطيف: أين أبي؟
فتلجلج إيليا وأجاب: ستلقينه غدا أيتها السيدة.
अज्ञात पृष्ठ