حدثني ناصر الدين الكردي أن شخصًا من الغواة الصيادين كان معه عقاب فرماه على طريدة ففاتته، وكان صاحبه إذ ذاك فارسًا، فطار العقاب وانقض على صاحبه فألقاه عن فرسه.
وذلك أنه متى أرسله وأراد أن يخلصه إذا صاد فإنه إذا لم يحسن السياسة فيه قتله إن شدد عليه، فمتى صاد العقاب وأردت أن تخلصه فاعمد إليه إن كان معك راس طري الدم تلقيه أمامه يشتغل به، وهذا أهون ما يكون وهو السالك بين الناس، وأما غير ذلك فإنك إذا جئته فمد يدك إلى سيفه وتشكره، وتجعل الشكارة في وتد في الأرض خشية على أنه إن خلص، يأخذ رجليك، فإن فعل ذلك فاقبض بيدك على منسره بحيث تسد منافسه ولا تشد يدك فإنه يخلى الصيد، فخذه منه واحمله على دابتك، ثم تقدم إلى العقاب واحمله على يدك، وهذا أسهل ما يكون، فإن كان معك رفيق، فتقدم أنت إليه، واقبض السيور التي في رجليه، وطبق عليها اليد التي في الكفة ثم اقبض باليمين على منسره كما ذكر لك هذا إن أردت أن تدفعه الطلق والاثنين والثلاثة ومتى ما أردت أن تشبعه فإن أشبعته جيدًا فإنه يخلي الطريدة ويتركها من ذاته ومن دون الوسائط المقدم ذكرها.
وأطعم العقاب ما شئت من الصيد وإن أطعمته الكبد والقلب فهو جيد، إلا الرئة فإنه إذا أكلها دائمًا فإنه يقل حيله، ونعت هذا العقاب في الصفة أن يكون عالي القمة، عريض الهامة واسع العينين، مستشرف الحاجبين، غليظ الساقين، كبير الكفين، ممتلئ الفخذين، وسيع الشفتين، طويل المنسر، مهول المنظر، حسن المخبر، طويل الذنب، قليل الشغب، شديد القلب يصيد الغزال والثعلب وابن آوى والأرنب، إذا دعي أجاب، وإذا رمي أصاب، منهم الشدق، بعيد الزرق، عريض الفرق، قليل الخطر، كثير الظفر، إذا ضرب كسر، وإذا قبض نسر، وإذا أعيد جسر، وخيرها الواسع المنخر، كبير الكف، قليل الكف، إذا ضرب قتل وإذا طلب حصل، وإن تبع وصل وإذا خلص أفصل وإذا شبك أنسل.
فهذا الجنس هو عقاب الصيد. وأما ألوان العقبان فمنها، الصفر وهو خير الألوان في هذا النوع، والأحمر وهو أقواها، والأسود وهو أجزلها والأخضر وهو أرداها والأرمك وهو أدناها فهذه خمسة ألوان، وينبغي للكواخ إذا صاد عقابًا وهو وحده فلا يتغافل عنه لئلا يعطب الكواخ فليحذر كل الحذر، ويحكى أن كواخًا صاد عقابًا وكتّفه ووضعه في الكوخ وإذا بأسد دخل عليه بعد أن كسر قضبان الباب، فأيقن الكواخ بالهلاك وأخذ ثيابه وألقمها الأسد فأخذها منه ثم ناوله مخلاة فأخذها فأمسك الكواخ العقاب بجناحيه وقدمه لصدر الأسد وهو يظنه مكتوف الجناحين والرجلين، وكانت قد انحلت كفا العقاب فألقاه بخيشوم الأسد، فقبض العقاب بكفيه على خيشوم الأسد وجناحاه مكتوفة وجعل الأسد يتخبط وخرج الأسد من عند الكواخ والعقاب لازم لخيشوم الأسد ووجد بعد ذلك الأسد وهو ميت فسبحان العليم بأحوال خلقه.
قال عيسى الأسدي: رئي بالموصل رجل مقطوع اليد وكان مولعًا بالعقبان وذاك أنه نام يومًا وقد ربط العقاب قريبًا منه فمد يده وهو نائم في وهلة النوم فوصلت إلى العقاب فقبضها العقاب بكفيه إلى أن جرد لحمها، فلما أفاق الرجل قتل ذلك العقاب.
ورئي بمدينة الموصل عقابًا قتل نمرًا، فتعجب به كل من رآه، وبقي العقاب بعد ذلك ليالي ومات.
ومن العجائب أن العقاب إذا رأى حمارًا وحشيًا، نظر إلى ما يكون بالقرب من ذاك الحمار، فإن كان ماءً ألقى نفسه في ذلك الماء ثم يخرج ويسط جناحيه على الرمل أو التراب ثم يطير إلى الحمار، والرمل في جناحيه، فيقبض وجه الحمار وينفض الرمل أو التراب في عينيه وأنكر الأسدي هذه الحكاية ولم يصب فقد يشاهد من هذا الحيوان ما هو أعجب من ذلك، ويرى من الطيور والنحل والذباب والحشرات أعجب ما يحكى.
وقد قال الأسدي: كل ما لا يشاهد بالعين لا يجوز أن يؤخذ بالقبول وهذا كلام لا يليق والشرائع ترده، وكأنه ينكر عجائب مصنوعات الله ولا أعجبني ذلك منه، وكل ما أنكره العقل من حيث الجملة لا يحتج به.
وإن فضلاء أهل المنطق حجبوا لتراكم نتائج العقل، وقد قيل شبه المنطق كالملح في الطعام على أن علم المنطق لا ينكر فإن أكثر المنطقية ينكرون الحقائق التي تكلم بها علماء الصوفية. واجتمعت بكبير منهم، عبد صالح معروف، وكان يعتقدني بمحبة فرايته ينكر بعض حقائق وقعت من الأولياء حجبه لا شك فيها العقل فلا حول ولا قوة إلا بالله.
1 / 27